الله تعالى سماهم كفارا ، فلم يمكنا ردّ شهادة الله تعالى ، فعاد هذا البلاء عليكم لأنكم قطعتم أنها شهادة الله عزوجل ، ثم لم تصدقوا شهادته ولا قطعتم بها بل شككتم فيها. وهذا تكذيب لله لا خفاء فيه. وأما نحن فمعاذ الله من أن نقول أو نعتقد أن الله تعالى شهد بهذا قط بل من ادّعى أن الله شهد بأن من أعلن الكفر فإنه جاحد بقلبه ، فقد كذب على الله عزوجل ، وافترى عليه ، بل هذه شهادة الشيطان التي أضلّ بها أولياءه ، وما شهد الله تعالى إلّا بضد هذا ، وبأنهم يعرفون الحق ويكتمونه ، ويعرفون أن الله تعالى حق ، وأن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حق ، ويظهرون بألسنتهم خلاف ذلك ، وما سماهم الله عزوجل قط كفارا إلّا بما ظهر منهم بألسنتهم وأفعالهم كما فعل إبليس وأهل الكتاب وغيرهم.
وإن قالوا : بل نثبت بهذا الدليل ونقطع به ، ونوقن أن كل من أعلن بما يوجب إطلاق اسم الكفر عليه في الشريعة فإنه جاحد بقلبه.
قلنا لهم وبالله تعالى التوفيق : هذا باطل من وجوه.
أولها : أنه دعوى بلا برهان.
وثانيها : أنه علم غيب لا يعلمه إلا الله عزوجل والذي يضمره. وقد قال الرسول صلىاللهعليهوسلم : «إنّي لم أبعث لأشق عن قلوب الناس».
فمدّعي هذا مدّع علم غيب ، ومدّعي علم الغيب كاذب.
وثالثها : أن القرآن والسنن كما ذكرنا ، قد جاءت النصوص فيهما بخلاف هذا كما تلونا قبل.
ورابعها : إن كان الأمر كما تقولون فمن أين اقتصرتم بالإيمان على عقد القلب فقط ، ولم تراعوا إقرار اللسان ..؟ وكلاهما عندكم مرتبط بالآخر لا يمكن انفرادهما وهذا يبطل قولكم أنه إذا اعتقد الإيمان بقلبه لم يكن كافرا بإعلانه الكفر فجوزتم أن يعلن الكفر من يبطن الإيمان فظهر تناقض مذهبهم وعظيم فساده.
وخامسها : أنه كان يلزمهم إذا كان إعلان الكفر باللسان دليلا على الجحد بالقلب ، والكفر به ولا بد ، فإن إعلان الإيمان باللسان يجب أيضا أن يكون دليلا قاطعا باتا ولا بد على أن في القلب إيمانا وتصديقا لا شك فيه لأن الله تعالى سمى هؤلاء مؤمنين كما سمى أولئك كفارا ، ولا فرق بين الشهادتين.
فإن قالوا : إن الله تعالى قد أخبر عن المنافقين المعلنين بالإيمان المبطنين للكفر