عزوجل ، وليس هذا من باب اللغة التي يحتج فيها بالعربي ، وإن كان كافرا ، وإنما هي قضية عقلية فالعقل والحس يكذبان هذا البيت ، وقضية شرعية فالله عزوجل أصدق من النصراني اللعين إذ يقول عزوجل : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [سورة آل عمران آية ١٦٧].
فقد أخبر عزوجل بأن من الناس من يقول بلسانه ما ليس في فؤاده بخلاف قول الأخطل لعنه الله إن الكلام لفي الفؤاد واللسان دليل على الفؤاد ، فأما نحن فنصدق الله عزوجل ونكذب الأخطل ، ولعن الله من يجعل الأخطل حجة في دينه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فإن قالوا : إن الله عزوجل قال : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [سورة محمد آية ٣٠]. قلنا : لو لا أن الله عزوجل عرفه بهم ودله عليهم بلحن القول ما كان لحن قولهم دليلا عليهم ولم يطلق الله تعالى هذا على كل أحد بل على أولئك خاصة ، بل قد نص تعالى على آخرين بخلاف ذلك إذ يقول : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) [سورة التوبة آية ١٠١].
فهؤلاء من أهل المدينة منافقون مردوا على النفاق لم يعلمهم قط رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلحن قولهم ، ولو أن الناس لم يضربوا قط كلام ربهم تعالى بعضه ببعض وأخذوه كله على مقتضاه لاهتدوا لكن من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وقد قال عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) [سورة محمد آية رقم ٢٥ إلى ٢٨].
فجعلهم تعالى مرتدّين كفارا بعد علمهم الحق ، وبعد أن تبين لهم الهدى بقوله للكفار ما قالوا فقط ، وأخبرنا تعالى أنه يعرف إسرارهم ، ولم يقل تعالى إنها جحد أو تصديق ، بل قد صح أن في سرهم التصديق ، لأن الهدى قد تبين لهم ، ومن تبين له شيء فلا يمكن البتة أن يجحده بقلبه أصلا ، وأخبرنا تعالى أنه قد أحبط أعمالهم باتباعهم ما أسخطه وكراهيتهم رضوانه ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [سورة الحجرات آية رقم ٢].