لا جواب لأحد في هذه المسألة غيره هو أن المنافق من كان النفاق صفته ، ومعنى النفاق في الشريعة هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر ، فيقال له وبالله تعالى التوفيق : لا يعلم ما في النفس إلّا الله تعالى ثم تلك النفس التي ذلك الشيء فيها فقط ، ولا يجوز أن يقطع على اعتقاد أحد الكفر إلّا بإقراره بلسانه بالكفر أو بوحي من عند الله تعالى ومن تعاطى علم ما في النفوس فقد تعاطى علم الغيب ، وهذا خطأ متيقن يعلم ضرورة وحسبك من القول سقوطا أن يؤدي إلى المحال المتيقن وقد قيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : ربّ مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ فقال عليهالسلام : «إني لم أبعث لأشق عن قلوب الناس» (١) وقد ذكر الله تعالى المنافقين فقال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) [سورة التوبة آية رقم ١٠١]. فإذا كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يعرف المنافقين وهم معه وهو يراهم ويشاهد أفعالهم فمن بعده أحرى أن لا يعلمهم. وقد كان الزناة على عهده صلىاللهعليهوسلم والسّرقة وشرّاب الخمر ومضيّعو فرض الصلاة في الجماعة والقليلون عهدا والقذفة فما سمى عليهالسلام قط أحدا منهم منافقين بل أقام الحدود فى ذلك وتوعد بحرق المنازل وأمر بالدية والعفو وأبقاهم في جملة المؤمنين وأبقى عليهم حكم المؤمنين واسمه ، وقد قلنا إن التسمية في الشريعة لله عزوجل لا لأحد دونه ولم يأت قط عن الله عزوجل تسمية صاحب الكبيرة منافقا. فإن قالوا قد صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال وقد ذكر خصالا : «من كنّ فيه كان منافقا خالصا وإن صام وصلّى وقال إني مسلم» (٢) وذكر عليهالسلام تلك الخصال فمنها : «إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر» (٣). وذكر عليهالسلام أن من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها.
قلنا له وبالله تعالى التوفيق : صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد أخبرناك أن المنافق هو من أظهر شيئا وأبطن خلافه مأخوذ في أصل اللغة من نافقاء اليربوع وهو باب في جانب جحره مفتوح قد غطاه بشيء من تراب وهذه الخلال كلها التي ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) جزء من حديث طويل عن أبي سعيد الخدري رواه البخاري في المغازي باب ٦١ ، ومسلم في الزكاة (حديث ١٤٤) وأحمد في المسند (٣ / ٤).
(٢) جزء من حديث طويل عن أبي سعيد الخدري رواه البخاري في المغازي باب ٦١ ، ومسلم في الزكاة (حديث ١٤٤) وأحمد في المسند (٣ / ٤).
(٣) لفظ الحديث كما رواه مسلم في كتاب الإيمان (حديث ١٠٦) عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خلّة منهن كانت فيه خلّة من نفاق حتى يدعها : إذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر».