والجنة إذا دخلها أهلها المخلدون فليست دار معصية ، وكذلك أهل الجنة لا يعصون فيها أصلا ، بل هم في نعيم وحمد لله تعالى ، وذكر له والتذاذ بأكل وشرب ولباس ووطء لا يختلف في ذلك من أهل الإسلام اثنان وبذلك جاء القرآن والحمد لله رب العالمين.
وأما الولدان المخلدون فهم أولاد الناس الذين ماتوا قبل البلوغ كما جاء عن النبي صلىاللهعليهوسلم وقد صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن الله تعالى يخلق خلقا يملأ الجنة بهم فنحن نقر بهذا ولا ندري أمتعبدون مطيعون أم مبتدئون في الجنة ، والله تعالى يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة. وأما الجن فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث إليهم بدين الإسلام هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من الأمة فكافرهم في النار مع كافرنا ، وأما مؤمنهم فقد اختلف الناس فيهم فقال أبو حنيفة لا ثواب لهم ، وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف وجمهور الناس إنهم في الجنة وبهذا نقول لقول الله عزوجل : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [سورة آل عمران : ١٣٣]. ولقوله تعالى حاكيا عنهم ومصدقا لمن قال ذلك منهم : (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ) [سورة الجن : ١٣]. وقوله تعالى حاكيا عنهم : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) [سورة الجن : ١]. وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [سورة البينة : ٧ ، ٨]. إلى آخر السورة ، وهذه صفة تعم الجن والإنس عموما لا يجوز البتة أن يخص منها أحد النوعين فيكون فاعل ذلك قائلا على الله ما لا يعلم ، وهذا حرام ، ومن المحال الممتنع أن يكون الله تعالى يخبرنا بخبر عام ، وهو لا يريد إلا بعض ما أخبرنا به ثم لا يبين ذلك لنا ، هذا هو ضد البيان الذي ضمنه الله عزوجل لنا فكيف وقد نص عزوجل على أنهم آمنوا فوجب أنهم من جملة المؤمنين الذين يدخلون الجنة ولا بد.
قال أبو محمد رضي الله عنه : وإذا الجن متعبدون فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فضلت على الأنبياء بست» (١). فذكر فيها أنه عليهالسلام بعث إلى الأحمر والأسود وكان من قبله من الأنبياء إنما يبعث إلى قومه خاصة ، وقد نص عليهالسلام على أنه بعث إلى الجن ، وقال عزوجل : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا
__________________
(١) رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث ٣ ، والدارمي في السير باب ٢٨. وأحمد في المسند (١ / ٢٥٠ ، ٣٠١ ، ٤ / ٤١٦ ، ٥ / ١٤٥ ، ١٤٨ ، ١٦٢).