لم يؤمن في الدنيا والآخرة وفي الولاية. ثم رجع تعالى إلى الخبر عن الشياطين فقال عزوجل : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [سورة البقرة : ١٠٢] وهذا حق ، لأن الشياطين في تعليمهم ما قد نسخه الله عزوجل وأبطله ضارون من أذن الله تعالى باستضراره به ، وهكذا إلى آخر الآية. وما قال عزوجل قطّ إنّ هاروت وماروت علما سحرا ولا كفرا ولا أنهما عصيا ، وإنما ذكر ذلك في خرافة موضوعة ، لا تصح عن طريق الإسناد أصلا ، ولا هي أيضا مع ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإنما هي موقوفة على من دونه عليهالسلام فسقط التعلق بها وصح ما قلناه والحمد لله رب العالمين.
وهذا التفسير الأخير هو نص الآية دون تكلف تأويل ، ولا تقديم ولا تأخير ، ولا زيادة في الآية ولا نقص منها ، بل هو ظاهرها والحق المقطوع به عند الله تعالى يقينا وبالله تعالى التوفيق.
فإن قيل : كيف تصح هذه الترجمة أو الأخرى وأنتم تقولون : إن الملائكة لا يمكن أن يراهم إلا نبي ، وكذلك الشياطين ولا فرق ، فكيف تعلم الملائكة الناس ..؟ أو كيف تعلم الجن الناس ..؟.
قلنا وبالله تعالى التوفيق : أما الملائكة فيعلمون من أرسلوا إليه من الأنبياء خاصة وينهونهم عن الكفر ، كما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الكفر في نص القرآن.
وأما الشياطين : فتعلم الناس بالوسوسة في الصدور وتزيين الباطل أو يتمثل في صورة إنسان كما تمثل يوم بدر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم (١) قال تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ) [سورة الأنفال : ٤٨].
وأما الحور العين فنسوان مكرمات مخلوقات في الجنة لأولياء الله عزوجل ، عاقلات مميزات مطيعات لله تعالى في النعيم خلقن فيه ويخلدن بلا نهاية لا يعصين البتة.
__________________
(١) سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن مالك بن تيم بن مدلج أبو سفيان المدلجي الكناني. صحابي توفي سنة ٢٤ ه. من مسلمة الفتح. أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. انظر ترجمته في تقريب التهذيب (١ / ٢٨٤) والكاشف (١ / ٣٤٩) وتاريخ البخاري الكبير (٤ / ٢٠٨) والجرح والتعديل (٤ / ١٣٤٢) وأسد الغابة (٢ / ٣٣١) وتجريد أسماء الصحابة (١ / ٢١٠) وشذرات الذهب (١ / ٣٥) والإصابة (٣ / ٤١) وطبقات ابن سعد (٩ / ٧٨) والوافي بالوفيات (١٥ / ١٨٥) والثقات (٣ / ١٨٠) وأسماء الصحابة الرواة (ترجمة ١٢٧).