قال أبو محمد : ولا سلامة ولا براءة من القصد إلى المعصية ولا أبعد من الجراءة على الذنوب أعظم من حال من ظن أن أحدا لا يحلف حانثا ، وهكذا فعل آدم عليهالسلام فإنه إنما أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها ناسيا ، بنص القرآن ، ومتأولا وقاصدا إلى الخير ، لأنه قدّر أنه يزداد حظوة عند الله تعالى فيكون ملكا مقربا ، أو خالدا فيما هو فيه أبدا ، فأداه ذلك إلى خلاف ما أمره الله عزوجل به ، وكان الواجب أن يحمل أمر ربّه عزوجل على ظاهره لكن تأول وأراد الخير فلم يصبه ، ولو فعل هذا عالم من علماء المسلمين لكان مأجورا ، ولكن آدم عليهالسلام لما فعله وأوخذ به بإخراجه عن الجنة على نكد الدنيا ، كان بذلك ظالما لنفسه.
وقد سمى الله قاتل الخطأ قاتلا ، كما سمى العامد ، والمخطئ لم يتعمد معصية ، وجعل في الخطأ في ذلك كفارة عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، لمن عجز عن الرقبة ، وهو لم يتعمد ذنبا ، وأما قوله عزوجل : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) [سورة الأعراف آية رقم ٨٩ ، ٩٠].
فهذا تكفير لآدم عليهالسلام ومن نسب لآدم عليهالسلام الشرك والكفر ـ كفر مجرد بلا خلاف من أحد من الأمة ونحن ننكر على من كفّر المسلمين العصاة العشارين (١) القتالين ، والشّرط الفاسقين ، فكيف من كفّر الأنبياء عليهمالسلام ..؟ وهذا الذي نسبوه إلى آدم عليهالسلام من أنه سمى ابنه عبد الحارث خرافة موضوعة ، مكذوبة ، من توليد من لا دين له ، ولا حياء ، لم يصح سندها قط ، وإنما نزلت في المشركين على ظاهرها ، وحتى لو صح أن الآية نزلت في آدم ، وهذا لا يصح أصلا ، لما كانت فيه للمخالف حجة ، لأنه كان يكون الشرك أو الشركاء المذكورون في الآية حينئذ على غير الشكر الذي هو الكفر ، لكن بمعنى أنهما جعلا مع توكلهما شركة من حفظه ومعناه كما قال يعقوب عليهالسلام : (يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سورة يوسف آية رقم ٦٧ ، ٦٨].
فأخبرنا عزوجل أن يعقوب عليهالسلام أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة
__________________
(١) العشّار : من يأخذ على السلع مكسا (المعجم الوسيط : ص ٦٠٢).