وقال تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ) [سورة البقرة آية رقم ٣٥]. واستزلال الشيطان معصية ، وذكروا قول الله تعالى : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) [سورة الأعراف آية رقم ١٩٠].
هذا كل ما ذكروا في آدم عليهالسلام.
قال أبو محمد : وهذا كله بخلاف ما ظنوا.
أما قوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [سورة طه : ١٢١]. فقد علمنا أن كل خلاف لأمر آمر فصورته صورة المعصية ، فيسمى معصية لذلك وغواية ، إلا أنه منه ما يكون عن عمد وذكر ، فهذه معصية على الحقيقة ، لأن فاعلها قاصد إلى المعصية ، وهو يدري أنها معصية ، وهذا هو الذي نزهنا عنه الأنبياء عليهمالسلام ، ومنه ما يكون عن قصد إلى خلاف ما أمر به وهو يتأول في ذلك الخير ، ولا يدري أنه عاص بذلك بل يظن أنه مطيع لله تعالى أو أن ذلك مباح له لأنه يتأول أن الأمر الوارد عنه ليس على معنى الإيجاب ولا على التحريم لكن إما على الندب إن كان بلفظ الأمر ، أو الكراهية إن كان بلفظ النهي ، وهذا شيء يقع فيه العلماء ، والفقهاء ، والأفاضل كثيرا ، وهذا هو الذي قد يقع من الأنبياء عليهمالسلام ويؤاخذون به إذا وقع منهم ، وعلى هذه السبيل أكل آدم من الشجرة ، ومعنى قوله تعالى : (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة البقرة آية رقم ٣٥] أي ظالمين لأنفسكما ، والظلم في اللغة : وضع الشيء في غير موضعه فمن وضع الأمر ، أو النهي ، في موضع الندب ، أو الكراهة ، فقد وضع الشيء في غير موضعه ، وهذا الظلم من هذا النوع من الظلم الذي يقع بغير قصد ، وليس معصية ، لا الظلم الذي هو القصد إلى المعصية ، وهو يدري أنها معصية ، وبرهان هذا ما قد نصه الله تعالى من أن آدم عليهالسلام لم يأكل من الشجرة إلا بعد أن أقسم له إبليس أن نهي الله عزوجل لهما عن أكل الشجرة ليس على التحريم ، وأنهما لا يستحقان بذلك عقوبة أصلا ، بل يستحقان بذلك الجزاء الحسن ، وفوز الأبد ، قال تعالى حاكيا عن إبليس أنه قال لهما : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) [سورة الأعراف آية رقم ٢١].
وقال عزوجل : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [سورة طه آية رقم ١١٥].
قال أبو محمد : فلما نسي آدم عليهالسلام عهد الله إليه في أن إبليس عدو له أحسن الظن بيمينه.