ما ذكرنا من كذب من يزعم أنهم كانوا أنبياء ، قول الله تعالى حاكيا عن الرسول أخيهم عليهالسلام أنه قال لهم : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) [سورة يوسف : ٧٧].
ولا يجوز البتة أن يقوله لنبي من الأنبياء : نعم ، ولا لقوم صالحين ، إذ توقير الأنبياء فرض على جميع الناس ، ولأن الصالحين ليسوا شرا مكانا ، وقد عقّ ابن نوح أباه بأكثر مما عق به إخوة يوسف أباهم ، إلا أن إخوة يوسف لم يكفروا ، ولا يحل لمسلم أن يدخل في الأنبياء من لم يأت نص ، ولا إجماع ، أو نقل كافة بصحة نبوته ، ولا فرق بين التصديق بنبوة من ليس نبيا ، وبين التكذيب بنبوة من صحت نبوته منهم. فإن ذكروا في ذلك ما روي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وهو زيد بن أرقم : «إنما مات إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأنه لا نبي بعد رسول الله محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأولاد الأنبياء أنبياء» فهذه غفلة شديدة ، وزلة عالم من وجوه.
أولها : أنه دعوى لا دليل على صحتها ، وثانيها : أنه لو كان ما ذكر لأمكن أن ينبأ إبراهيم في المهد ، كما نبىء عيسى عليهالسلام ، وكما أوتي يحيى الحكم صبيا ، فعلى هذا القول لعل إبراهيم كان نبيا وقد عاش عامين غير شهرين وحاشا لله من هذا.
وثالثها : أن ولد نوح عليهالسلام كان كافرا بنص القرآن ، عمل عملا غير صالح ، فلو كان أولاد الأنبياء أنبياء لكان هذا الكافر المسخوط عليه نبيا وحاشا لله من هذا.
ورابعها : أنه لو كان ذلك لوجب ولا بد أن يكون اليهود كلهم أنبياء إلى اليوم بل جميع أهل الأرض أنبياء لأن الكل من ولد آدم ، وآدم نبي ، فإذا وجب أن يكون أولاد آدم لصلبه أنبياء لأن أباهم نبي فأولاد أولاده أنبياء أيضا ، لأن آباءهم أنبياء ، وهم أولاد أنبياء ، وهكذا أبدا حتى يبلغ الأمر إلينا.
وفي هذا من الكفر لمن قامت عليه الحجة وثبت عليه ما لا خفاء به ، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : ولعل من جهل مرتين يقول عنا : هذا ينكر نبوة إخوة يوسف ، ويثبت نبوة بني المجوس ، ونبوة أم موسى ، وأم عيسى وأم إسحاق ، عليهمالسلام ، فنحن نقول وبالله تعالى التوفيق وبه نعتصم : لسنا نقر بنبوة من لم يخبر الله عزوجل بنبوته ، ولم ينص رسول الله صلىاللهعليهوسلم على نبوته ، ولا نقلت الكواف عن أمثالها نقلا متصلا منه إلينا معجزات النبوة عنه ممن كان قبل مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم ، بل ندفع نبوة من قام البرهان على بطلان نبوته ، لأن تصديق نبوة من هذه صفته افتراء على الله تعالى ، لا يقدم عليه مسلم ، ولا ندفع نبوة من جاء القرآن بأن الله تعالى نبأه.