رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) [سورة يوسف : ٢٤] فليس كما ظن من لم ينعم النظر حتى قال من المتأخرين من قال إنه قعد منها مقعد الرجل من المرأة ، ومعاذ الله من هذا أن يظن برجل من صالحي المسلمين أو مستوريهم ، فكيف برسول الله صلىاللهعليهوسلم ...؟؟؟
فإن قيل : إن هذا قد روي عن ابن عباس رضي الله عنه من طريق جيدة الإسناد ، قلنا : نعم ، ولا حجة في قول أحد إلا فيما صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقط ، والوهم في تلك الرواية إنما هي بلا شكّ عمن دون ابن عباس ، أو لعل ابن عباس لم يقطع بذلك إذ إنما أخذه عمن لا يدري من هو ، ولا شك في أنه شيء سمعه فذكره لأنه رضي الله عنه لم يحضر ذلك ولا ذكره عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومحال أن يقطع ابن عباس بما لا علم له به ، لكن معنى الآية لا يعدو أحد وجهين : إما أنه همّ بالإيقاع بها وضربها ، كما قال تعالى : (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) [سورة غافر : ٥]. وكما يقول القائل : لقد همت بك.
لكنه عليهالسلام امتنع من ذلك ببرهان أراه الله إياه استغنى به عن ضربها ، وعلم أن الفرار أجدى عليه ، وأظهر لبراءته ، على ما ظهر بعد ذلك من حكم الشاهد بأمر قدّ القميص. والوجه الثاني : أن الكلام تم عند قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) ثم ابتدأ تعالى خبرا آخر فقال : (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) أي أنه كان يهم بها لو لا أن رأى برهان ربه وهذا هو ظاهر الآية بلا تكلف تأويل ، وبهذا نقول.
حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي حدثنا ابن عون الله ، أنبأنا إبراهيم بن أحمد بن فراس ، حدثنا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري ، أنا إسحاق بن راهويه ، أنا المؤمل بن إسماعيل الحميري ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) [سورة يوسف : ٥٢] قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لما قالها يوسف عليهالسلام قال له جبريل : يا يوسف اذكر همّك ، فقال يوسف : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [سورة يوسف : ٥٣].
فليس في هذا الحديث على معنى من المعاني تحقيق الهم بالفاحشة ، ولكنه فيه أنه همّ بأمر ما ، وهذا حق كما قلنا فسقط هذا الاعتراض ، وصح الوجه الأول ، والثاني معا ، إلا أن الهم بالفاحشة باطل مقطوع على كل حال ، وصح أن ذلك الهم هو ضرب سيدته ، وهي خيانة لسيده إذ هم بضرب امرأته.
وبرهان ربه هاهنا هو النبوة ، فلو لا النبوة وعصمة الله عزوجل إياه ، ولو لا البرهان ،