لأنهم سرقوه من أبيه وباعوه ، ولم يقل عليهالسلام إنكم سرقتم الصواع ، وإنما قال : (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) [سورة يوسف : ٧٢] وهو في ذلك صادق لأنه كان غير واجد له فكان فاقدا له بلا شك.
وأما خدمته عليهالسلام لفرعون فإنما خدمة تقية وفي حق لاستنقاذ الله تعالى أهل الأرض بحسن تدبيره ، ولعل الملك أو بعض خواصه قد آمن به إلا أنّ خدمته له على كل حال حسنة وفعل خير ، وتوصل إلى الاجتماع بأبيه وإلى العدل ، وإلى حياة النفوس ، إذ لم يقدر على المغالبة ولا أمكنه غير ذلك ، ولا مرية في أن ذلك كان مباحا في شريعة يوسف عليهالسلام بخلاف شريعتنا ، قال الله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [سورة المائدة : ٤٨] وأما سجود أبويه فلم يكن ذلك محظورا في شريعتهما ، بل كان فعلا حسنا ، وتحقيق رؤياه الصادق من الله تعالى ولعل ذلك السجود كان تحية كسجود الملائكة لآدم عليه الصلاة والسلام. إلا أن الذي لا شك فيه أنه لم يكن سجود عبادة ولا تذلل وإنما كان سجود كرامة فقط بلا شك.
وأما قوله عليهالسلام للذي كان معه في السجن (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) [سورة يوسف : ٤٢] فما علمنا الرغبة في الانطلاق من السجن محظورة على أحد ، وليس في قوله ذلك دليل على أنه أغفل الدعاء إلى الله عزوجل لكنه رغّب هذا الذي كان معه في السجن في فعل الخير وحضه عليه وهذا فرض من وجهين : أحدهما : وجوب السعي في كف الظلم عنه ، والثاني : دعاؤه إلى الخير والحسنات.
وأما قوله تعالى : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) [سورة يوسف : ٤٢]. فالضمير الذي في أنساه وهو (الهاء) راجع إلى الفتى الذي كان معه في السجن ، أي أن الشيطان أنساه أن يذكر ربه أمر يوسف عليهالسلام.
ويحتمل أيضا أن يكون أنساه الشيطان ذكر الله تعالى ولو ذكر الله عزوجل لذكر حاجة يوسف عليهالسلام.
وبرهان ذلك قول الله عزوجل : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [سورة يوسف : ٤٥] فصح يقينا أن المدكر بعد أمة (١) هو الذي أنساه الشيطان ذكر ربه حتى تذكر ، وحتى لو صحّ أن الضمير من أنساه راجع إلى يوسف عليهالسلام لما كان في ذلك نقص ، ولا ذنب ، إذ ما كان بالنسيان فلا يبعد عن الأنبياء. وأما قوله : (هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ
__________________
(١) الأمة (بالتخفيف) : الفترة من الدهر.