فقد كفى الله عزوجل الكلام في ذلك ببيانه في آخر الآية أن ذلك كان نسيانا فعوقب عليهالسلام في ذلك.
وأما قوله تعالى : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) [سورة الأحزاب آية رقم ٣٧].
فقد أنفنا (١) أن ذلك لم يكن معصية أصلا ولا خلاف فيما أمره الله تعالى به إنما كان إرادة زواج مباح له فعله ومباح له تركه ومباح له طيه ، ومباح له إظهاره ، وإنما خشي النبي صلىاللهعليهوسلم الناس في ذلك ، خوف أن يقولوا قولا ويظنوا ظنا ، فيهلكوا كما قال عليهالسلام للأنصاريين «إنها صفية» فاستعظما ذلك فأخبرهما النبي صلىاللهعليهوسلم أنه إنما خشي أن يلقي الشيطان في قلوبهما شيئا. وهذا الذي خشيه عليهالسلام على الناس من هلاك أديانهم لظن يظنونه به عليهالسلام هو الذي يحققه هؤلاء المخذولون المخالفون لنا في هذا الباب من نسبتهم إلى النبي صلىاللهعليهوسلم تعمد المعاصي ، فهلكت أديانهم ، وضلوا ، ونعوذ بالله من الخذلان. وكان مراد الله عزوجل أن يبدي ما في نفسه لما كان سلف في علمه من السعادة لأمنا زينب رضي الله عنها.
قال أبو محمد : فإن قال قائل : إنكم تحتجون كثيرا بقول الله عزوجل (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [سورة النجم آية رقم ٣ ، ٤].
وبقوله : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [سورة النساء آية رقم ٦٥].
وبقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) [سورة الأحزاب آية رقم ٢١] وبقوله عليهالسلام «إني لأتقاكم لله وأعلمكم بما آتي وأذر» (٢) وتقولون من أجل هذه النصوص إن كل قول
__________________
(١) أي : ذكرنا آنفا.
(٢) رواه البخاري في الإيمان باب ١٣ (حديث ٢٠) عن عائشة قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أمرهم من الأعمال بما يطيقون ، قالوا : إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله ، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر. فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول : «إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا». ورواه مسلم في الصيام (حديث ٧٤) عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أيقبّل الصائم؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سل هذه» ـ لأم سلمة ـ فأخبرته أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصنع ذلك ، فقال : يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أما والله إنّي لأتقاكم لله وأخشاكم له».