قد صحّ عليه وضع الحديث أو سوء الحفظ أو الخطأ الذي لا يجوز معهما الرواية عنه ، ثم لو صح لكان القول فيه كما قلنا من أنه قصد الخير بذلك.
وأما قوله (عَبَسَ وَتَوَلَّى) الآيات فإنه كان عليهالسلام قد جلس إليه عظيم من عظماء قريش ورجا إسلامه ، وعلم عليهالسلام أنه لو أسلم لأسلم بإسلامه ناس كثير ، ولظهر الدين ، وعلم أن هذا الأعمى الذي يسأله عن أشياء من أمور الدين لا يفوته وهو حاضر معه فاشتغل عنه عليهالسلام بما خاف فوته من عظيم الخير عما لا يخاف فوته وهذا غاية النظر للدين ، والاجتهاد في نصرة القرآن في ظاهر الأمر ، ونهاية التقرب إلى الله الذي لو فعله اليوم منا فاعل لأجر فعاتبه الله عزوجل على ذلك إذ كان الأولى عند الله تعالى أن يقبل على ذلك الأعمى الفاضل ، البر التقى ، وهذا هو نفس ما قلناه ، وكما سها عليهالسلام من اثنتين ومن ثلاث ، وقام من اثنتين ، ولا سبيل إلى أن يفعل من ذلك شيئا بعمد أصلا ، نعم ولا يفعل ذلك بعمد إنسان منا فيه خير.
وأما الحديث الذي فيه : «وإنهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهنّ لترتجى» فكذب بحت موضوع لأنه لم يصح قط من طريق النقل ، فلا معنى للاشتغال به ، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد.
وأما قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) [سورة الحج آية رقم ٥٢] الآية.
فلا حجة لهم فيها لأن الأماني الواقعة في النفس لا معنى لها ، وقد تمنى النبي صلىاللهعليهوسلم إسلام عمه أبي طالب ، ولم يرد الله عزوجل أن يسلم ، وتمنى غلبة العدو يوم أحد ولم يرد الله عزوجل كون ذلك ، فهذه هي الأماني التي ذكرها الله عزوجل لا سواها ، وحاشا لله من أن يتمنى نبي معصية الله تعالى وهذا الذي قلنا هو ظاهر الآية دون تزيد ولا تكلف ولا يحل خلاف الظاهر إلا بظاهر آخر ، وبالله تعالى التوفيق.
وأما قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) [سورة الكهف آية رقم ٢٣ ، ٢٤].
__________________
كتاب. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (٧ / ٢٦١) وتقريب التهذيب (٢ / ٣٠) وخلاصة تهذيب الكمال (٢ / ٢٣٩) والكاشف (٢ / ٢٧٦) وتاريخ البخاري الكبير (٧ / ٥٠) وتاريخ البخاري الصغير (٢ / ١٣٩) والجرح والتعديل (٧ / ٤١) وميزان الاعتدال (٣ / ٩٠) ولسان الميزان (٧ / ٣٠٨) وسير أعلام النبلاء (٧ / ١٣٤) وتاريخ بغداد (١٢ / ٢٥٧).