المظهر الخير مبطن للكفر أو مبطن على كبائر لا نعلمها فواجب أن لا نقطع من أجل ذلك عليه بشيء ، وكذلك المعلن بالكبائر فإنه يمكن أن يبطن الكفر في باطن أمره فإذا قرب من الموت آمن فاستحق الجنة ، أو لعلّ له حسنات في باطن حاشا من جاء النص فيه من الصحابة رضي الله عنهم بأنهم في الجنة ، وبأن الله علم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم ، وأهل بدر وأهل السوابق ، فإنا نقطع على هؤلاء بالجنة لأن الله تعالى أخبرنا بذلك على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وحاشا من مات معلنا للكفر ، فإنا نقطع عليه بالنار ، ونقف فيمن عدا هؤلاء. إلا أننا نقطع على الصفات فنقول : من مات معلنا للكفر ، أو مبطنا له فهو في النار خالدا فيها ، ومن أتى الله تعالى راجح الحسنات على السيئات والكبائر أو متساويهما فهو في الجنة ، لا يعذب بالنار.
ومن لقي الله تعالى راجح الكبائر على الحسنات ففي النار ، ويخرج منها بالشفاعة إلى الجنة وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : ورأيت بعض أصحابنا يذهب إلى شيء يسميه شاهد الحال ، وهو أن من كان مظهرا لشيء من الديانات ، متحملا للأذى فيه غير مستجلب بما يلقى من ذلك حالا ، فإنه مقطوع على باطنه وظاهره قطعا لا شك فيه كعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب والحسن البصري وابن سيرين ومن جرى مجراهم ممن قبلهم أو معهم أو بعدهم ، فإن هؤلاء رضي الله عنهم رفضوا من الدنيا ما لو استعملوه لما حط من وجاهتهم شيئا ، واحتملوا من المضنى ما لو خففوه عن أنفسهم لم يقدح ذلك فيهم عند أحد ، فهؤلاء مقطوع على إسلامهم عند الله عزوجل ، وعلى خيرهم وفضلهم ، وكذلك نقطع على أن عمرو بن عبيد كان يدين بإبطال القدر بلا شك في باطن أمره ، وأن أبا حنيفة والشافعي رضي الله عنهما كانا في باطن أمرهما يدينان لله تعالى بالقياس ، وأن داود بن علي كان في باطن الأمر يدين الله تعالى بإبطال القياس بلا شك ، وأن أحمد بن حنبل رضي الله عنه كان يدين الله تعالى بالتدين بالحديث في باطن أمره بلا شك ، وبأن القرآن غير مخلوق بلا شك ، وهكذا كل أمر تناصرت أحواله ، وظهر جده ، في معتقد ما ، وترك المسامحة فيه ، واحتمل الأذى والمضض من أجله.
قال أبو محمد : وهذا قول صحيح لا شك فيه إذ لا يمكن البتة في بنية الطبائع أن يحتمل أحد أذى ومشقة لغير فائدة يتعجلها أو يتأجلها ، وبالله تعالى التوفيق.
ولا بد لكل ذي عقد من أن يبين عليه شاهد عقده بما يبدو منه من مسامحة فيه ، أو صبر عليه.
وأما من كان بغير هذه الصفة فلا نقطع على عقده ، وبالله تعالى التوفيق.