٨٢] فإن عاد بعد ذلك إلى الذنب الذي تاب منه فلا يعود عليه ذنب قد غفره الله له أبدا ، فإن ارتد ومات كافرا فقد سقط عمله والتوبة عمل فقد حبطت ، فهذا يعود عليه كل ما عمل خاصة.
وأما من راجع الإسلام ومات عليه فقد سقط عنه الكفر وغيره.
قال أبو محمد : ولا تكون التوبة إلا بالندم ، والاستغفار ، وترك المعاودة ، والعزيمة على ذلك ، والخروج من مظلمة إن تاب عنها إلى صاحبها بتحلل أو إنصاف ، ورأيت لأبي بكر أحمد بن علي بن بيغجور المعروف بابن الإخشيد (١) وهو أحد أركان المعتزلة ، وكان أبوه من أبناء ملوك فرغانة من الأتراك وولي أبوه الثغور ، وكان هذا أبو بكر ابنه يتفقه للشافعي ، فرأيت له في بعض كتبه يقول : إن التوبة هي الندم فقط وإن لم ينو مع ذلك ترك المراجعة لتلك الكبيرة.
قال أبو محمد : هذا أشنع ما يكون من قول المرجئة لأن كل معتقد للإسلام فبلا شك ندري أنه نادم على كل ذنب يعمله عالما بأنه مسيء فيه مستغفر منه ، ومن كان بخلاف هذه الصفة لكان مستحسنا لما فعل غير نادم عليه فليس مسلما ، فكل صاحب كبيرة فهو على قول ابن الإخشيد غير مؤاخذ بها لأنه تائب منها ، وهذا خلاف الوعيد.
فإن قال قائل : فإنكم تقطعون على قبول إيمان المؤمن ، أفتقطعون على قبول توبة التائب ، وعمل العامل للخير ، إن كان ذلك مقبولا؟
وهل تقطعون على المكثر من السيئات أنه في النار ..؟
قلنا وبالله تعالى التوفيق :
إن الأعمال لها شروط من توفية النية حقها وتوفية صفة العمل حقه ، فلو أيقنا أن العمل وقع كاملا كما أمر الله تعالى لقطعنا على قبول الله عزوجل له ، وأما التوبة فإذا وقعت نصوحا فنحن نقطع بقبولها ، وأما القطع على مظهر الخير بأنه في الجنة ، وعلى مظهر الشر والمعاصي بأنه في النار ، فهذا خطأ لأننا لا نعلم ما في النفوس ولعل
__________________
(١) هو شيخ المعتزلة أبو بكر أحمد بن علي بن بيغجور الإخشيد صاحب التصانيف. كان يدري الحديث ويرويه عن أبي مسلم الكجّي وطبقته ويحتجّ به في تواليفه ، وكان ذا تعبّد وزهادة ، له قرية تقوم بأمره ، وكان يؤثر الطلبة. وله تواليف في الفقه والنحو والكلام. وله من المصنفات : كتاب نقل القرآن ، وكتاب الإجماع ، وكتاب اختصار تفسير محمد بن جرير ، وكتاب المعرفة في الأحوال ، وغير ذلك. توفي في شعبان سنة ٣٢٦ ه. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (١٥ / ٢١٧) والفهرست (٢٤٥) وتاريخ بغداد (٤ / ٣٠٩) والوافي بالوفيات (٧ / ٢١٦) وطبقات المعتزلة (ص ١٠٠) ولسان الميزان (١ / ٢٣١).