قال أبو محمد : قال الله تعالى آمرا له أن يقول : (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [سورة الأعراف آية رقم ١٥٨]. وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه أحد.
وقال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) [سورة القيامة آية رقم ٣٦].
فأبطل سبحانه أنه يكون أحد سدى ، والسدى : هو المهمل الذي لا يؤمر ولا ينهى ، فأبطل عزوجل هذا الأمر ، ولكنه معذور بجهله ومغيبه عن المعرفة فقط ، وأما من بلغه ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم حيث ما كان من أقاصي الأرض ففرض عليه البحث عنه ، فإذا بلغته نذارته ففرض عليه التصديق به ، واتباعه ، وطلب الدين اللازم له ، والخروج عن وطنه لذلك ، وإلا فقد استحق الكفر ، والخلود في النار ، والعذاب بنص القرآن ، وكل ما ذكرنا يبطل قول من قال من الخوارج أنه في حين بعث النبي صلىاللهعليهوسلم يلزم من في أقاصي الأرض الإيمان به ، ومعرفة شرائعه ، فإن ماتوا في تلك الحال ماتوا كفارا إلى النار ، ويبطل هذا قول الله عزوجل : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [سورة البقرة آية رقم ٢٨٦] وليس في وسع أحد علم الغيب.
فإن قالوا : فهذه حجة الطائفة القائلة إنه لا يلزم أحدا شيء من الشرائع حتى تبلغه ، قلنا : لا حجة لهم فيها لأن كل ما كلف الناس فهو في وسعهم ، واحتمال بنيتهم ، إلا أنهم معذورون بمغيب ذلك عنهم ولم يكلفوا ذلك تكليفا يعذبون به إن لم يفعلوه ، وإنما كلفوه تكليف من لا يعذبون حتى يبلغهم ومن بلغه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن له أمرا من الحكم مجملا أو لم يبلغه نصه ، ففرض عليه إجهاد نفسه في طلب ذلك الأمر ، وإلا فهو عاص لله عزوجل.
قال الله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [سورة الأنبياء آية رقم ٧].
وبقوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [سورة التوبة آية رقم ١٢٢].
وأما من تاب عن ذنب أو كفر ، ثم رجع إلى ما تاب عنه ، فإنه إن كانت توبته تلك وهو معتقد للعودة فهو عابث ، مستهزئ ، مخادع لله تعالى ، قال الله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) إلى قوله : (عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) [سورة البقرة آية رقم ٩ ، ١٠].
وأما من كانت توبته نصوحا ، ثابت العزيمة في أن لا يعود ، فهي توبة صحيحة مقبولة بلا شك مسقطة لكل ما تاب عنه بالنص.
قال عزوجل : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) [سورة طه آية رقم