الحساب يوم القيامة ، وإراحة الناس مما هم فيه من هول الموقف وشنعة الحال وهو المقام المحمود ، الذي جاء النص في القرآن به ، في قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [سورة الإسراء آية رقم ٧٩] وهكذا جاء الخبر الثابت نصا.
والشفاعة الثانية : في إخراج أهل الكبائر من النار ، طبقة طبقة ، على ما صح في ذلك الخبر.
وأما قول الله تعالى : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) [سورة الجن آية رقم ٢١] (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) [سورة الانفطار آية رقم ١٩].
فما خالفناهم في هذا أصلا ، وليس هذا من الشفاعة في شيء ، فنعم لا يملك أحد لأحد نفعا ، ولا ضرا ، ولا رشدا ، ولا هدى ، وإنما الشفاعة رغبة إلى الله تعالى ، وضراعة ، ودعاء.
وقال بعض منكري الشفاعة : إن الشفاعة ليست إلا في المحسنين فقط.
واحتجوا بقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [سورة الأنبياء آية رقم ٢٨].
قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه ، لأن من أذن الله في إخراجه من النار وإدخاله الجنة ، وأذن للشافع في الشفاعة له في ذلك ، فقد ارتضاه ، وهذا حق وفضل الله تعالى على من قد غفر له ذنوبه ، بأن رجحت حسناته على كبائره ، أو بأن لم تكن له كبيرة ، أو بأن تاب عنها فهو مغن له عن شفاعة كل شافع ، فقد حصلت له الرحمة والفوز من الله تعالى وأمر به إلى الجنة ففي ما ذا يشفع له؟ وإنما الفقير إلى الشفاعة من غلبت كبائره على حسناته ، فأدخل النار ، ولم يأذن تعالى بإخراجه منها إلا بالشفاعة ، وكذلك الخلق في كونهم في الموقف هم أيضا في مقام شنيع فهم أيضا محتاجون إلى الشفاعة وبالله تعالى التوفيق ، وبما صحت به الأخبار من ذلك. نقول : وأما الميزان فقد أنكره قوم فخالفوا كلام الله تعالى جرأة ، وإقداما ، وتنطع آخرون ، فقالوا : هو ميزان بكفتين من ذهب ، وهذا إقدام آخر لا يحل ، قال الله عزوجل : (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) [سورة النور آية رقم ١٥].
قال أبو محمد : وأمور الآخرة لا تعلم إلا بما جاء في القرآن الكريم ، أو بما جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يأت عنه عليهالسلام شيء يصح في صفة الميزان ، ولو صح عنه عليهالسلام في ذلك شيء لقلنا به ، فإذ لا يصح عنه عليهالسلام في ذلك شيء فلا يحل لأحد أن يقول على الله عزوجل ما لم يخبرنا به ، لكن نقول كما قال الله عزوجل : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) إلى قوله : (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [سورة الأنبياء آية رقم ٤٧].