فأوجب عزوجل الشفاعة إلا من اتخذ عنده عهدا بالشفاعة ونفاها عن سواه فقد اتخذ محمد صلىاللهعليهوسلم عند الله عهدا بالشفاعة وصحت بذلك الأخبار المتواترة المتناصرة ، بنقل الكواف لها.
وقال تعالى : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) [سورة طه آية رقم ١٠٩].
وقال تعالى : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) [سورة سبأ آية رقم ٢٣].
فنص تعالى على أن الشفاعة يوم القيامة تنفع عنده عزوجل ، ممن أذن له فيها ، ورضي قوله ، ولا أحد من الناس أولى بذلك من محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنه أفضل ولد آدم عليهالسلام.
وقال تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [سورة البقرة آية رقم ٥٥].
(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) [سورة النجم آية رقم ٢٦].
وقال تعالى : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [سورة الزخرف آية رقم ٨٦].
وقال تعالى : (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) [سورة يونس آية رقم ٣].
فقد صحت الشفاعة بنص القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فصح يقينا أن الشفاعة التي أبطلها الله عزوجل ، هي غير الشفاعة التي أثبتها عزوجل ، وإذ لا شك في ذلك فالشفاعة التي أبطل عزوجل هي الشفاعة للكفار ، الذين هم مخلدون في النار.
قال تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) [سورة فاطر آية رقم ٣٦]. نعوذ بالله منها ، فإذ لا شك فيه ، فقد صح يقينا أن الشفاعة التي أوجب الله عزوجل لمن أذن له ، واتخذ عنده عهدا ، ورضي قوله ، فإنما هي لمذنبي أهل الإسلام وهكذا جاء الخبر الثابت (١).
قال أبو محمد : وهما شفاعتان إحداهما عامة لكل محسن ومسيء في تعجيل
__________________
(١) بلفظ : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي». رواه أبو داود في السنّة باب ٢١ ، والترمذي في القيامة باب ١١ ، وابن ماجة في الزهد باب ٣٧ ، وأحمد في المسند (٣ / ٢١٣).