ذي نهاية ، ولا سبيل إلى غير هذا البتة ، وليس للجنة والنار مدد غير متناهية محاط بها وإنما لهما مدد كل ما خرج منها إلى الفعل فهو محصي محاط بعدده ، وما لم يخرج إلى الفعل فليس بمحصي لكن علم الله تعالى أحاط بأنه لا نهاية لهما ، وأما قوله كما لا يجوز أن يوجد شيء غير الله تعالى لا نهاية له ولم يزل فلذلك لا يجوز أن يوجد شيء غير الله تعالى لا نهاية له ولا يزال فإن هذه قضية فاسدة وقياس فاسد لا يصح والفرق بينهما أن أشياء ذوات عدد لا أول لها ولم تزل لا يمكن أن تتوهّم البتة ولا تشكّل بل هي محال في الوجود كما ذكرنا في الرد على من قال بأن العالم لم يزل ، فأغنى عن إعادته. وليس كذلك قولنا لا يزال لأن إحداث الله تعالى شيئا بعد شيء أبدا بلا غاية متوهم ممكن لا حوالة (١) فيه ، فقياس الممكن المتوهم على الممتنع المستحيل الذي لا يتوهم باطل عند القائلين بالقياس ، فكيف عند من لا يقوله به ..؟
فإن قال قائل : إن كل ما له أو فله آخر.
قلنا له : هذه قضية فاسدة ودعوى مجردة وما وجب هذا قط ، لا بقضية عقل ولا بخبر ، لأن كون أوائل الموجودات معلوم بالضرورة لأن ما وجد بعد فقد حصره عدد زمان وجوده ، وكل ما حصره عدد فلذلك العدد أول ضرورة ، وهو قولنا واحد ثم يتمادى العدد أبدا فيمكن الزيادة بلا نهاية وتمادي الموجود بخلاف المبدأ لأنه إذا بقي وقتا جاز أن يبقى وقتين ، وهكذا أبدا بلا نهاية وكل ما خرج من مدد البقاء إلى حد الفعل فذو نهاية بلا شك ، وكذلك من العدد أيضا.
ولم نقل إن بقاء الناس في هذه الدنيا له نهاية إلا من طريق النص ، ولو أخبر الله تعالى بذلك لأمكن وجاز أن تبقى الدنيا أبدا بلا نهاية ولكان الله تعالى قادرا على ذلك ولكن النص لا يحل خلافه. وكذلك لو لا إخبار الله تعالى بأن الآخرة لا فناء لها لأمكن فناؤها ولكن أخبار الله تعالى لا يحل اعتراضها.
وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : والبرهان على بقاء الجنة والنار بلا نهاية قول الله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [سورة هود : ١٠٨].
وقوله تعالى في غير موضع من القرآن (خالِدِينَ فِيها أَبَداً).
__________________
(١) الحوالة : الاستحالة.