وأيضا فلو كان ما قاله أبو الهذيل صحيحا لصار أهل الجنة في عذاب واصب وفي صفة المخدور والمفلوج ومن أخذه الكابوس ومن سقي البنج وهذا غاية النكد والشقاء ، ونعوذ بالله من هذه الحال.
وأما جهم بن صفوان فإنه احتج بقول الله تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) [سورة الجن آية رقم ٢٨] وبقوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [سورة القصص آية رقم ٨٨].
وقال : كما لا يجوز أن يوجد شيء لم يزل غير الله تعالى ، فكذلك لا يجوز أن يوجد شيء لا يزال غير الله تعالى.
قال أبو محمد : ما نعلم له حجة غير هذا أصلا ، وكل هذا لا حجة له فيه.
أما قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فإنما عنى تعالى الاستحالة من شيء إلى شيء ومن حال إلى حال وهذا عام لجميع المخلوقات دون الله تعالى ، وكذلك مدد النعيم في الجنة ، والعذاب في النار ، كلما فنيت مدة أحدث الله عزوجل أخرى ، وهكذا أبدا بلا نهاية ولا آخر ، يدل على هذا ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى من الدلائل على خلود الجنة والنار وأهلهما.
وأما قوله تعالى (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) [سورة الجن آية رقم ٢٨] فإن اسم الشيء لا يقع إلا على موجود ، والإحصاء لا يقع على ما ذكرنا ، إلا على ما خرج إلى الفعل ، ووجد بعد ، وإذا لم يخرج من الفعل فهو لا شيء بعد ، ولا يجوز أن يعد لا شيء.
وكل ما خرج إلى الفعل من مدة بقاء الجنة والنار وأهلهما فمحصي بلا شك ، ثم يحدث الله تعالى لهم مددا أخر وهكذا أبدا بلا نهاية ولا آخر.
وقالوا : هل أحاط الله تعالى علما بجميع مدة الجنة والنار أم لا؟
فإن قلتم : لا. جهلتم الله ، وإن قلتم : نعم. جعلتم مدتها محاطا بها وهذا هو التناهي نفسه.
قال أبو محمد : إن الله تعالى إنما يعلم بالأشياء على ما هي عليه لا على خلاف ما هي عليه لأن من علم الشيء على خلاف ما هو عليه فهو جاهل به مخطئ في اعتقاده ظان للباطل ، وليس علما ولا حقّا ولا هو عالم به ، وهذا ما لا شك فيه. وعلم الله عزوجل هو الحق اليقين على ما هي معلوماته عليه فكل ما كان ذا نهاية فهو في علم الله تعالى ذو نهاية ، وما كان غير ذي نهاية فهو في علم الله تعالى غير