إعجازه لكونه في أعلى درج البلاغة لكان لا حجة فيه. لأن هكذا كان يكون كل من كان في أعلى طبقة. وأما آيات الأنبياء فخارجة عن المعهود فهذا أقوى من شغبهم.
وثانيها : أنه لا يسأل الله تعالى عما يفعل ، ولا يقال له لم عجّزت بهذا النظم دون غيره ، ولم أرسلت هذا الرسول دون غيره؟ ولم قلبت عصا موسى عليهالسلام حية دون أن تقلبها أسدا؟ وهذا كله حمق ممن جاء به لم يوجبه قط عقل وحسب الآية أن تكون خارجة عن المعهود فقط.
وثالثها : أنهم حين طردوا سؤالهم ربهم بهذا السؤال الفاسد لزمهم أن يقولوا هلّا كان هذا الإعجاز في كلام بجميع اللغات فيستوي في معرفة إعجازه العرب والعجم لأن العجم لا يعرفون إعجاز القرآن إلا بإخبار العرب فقط؟ فبطل هذا الغث الفث والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : وأما ذكرهم (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) وما كان وما نحوها من الآيات فلا حجة لهم ، فيها ويقال لهم إن كان ما تقولون ومعاذ الله تعالى من ذلك فإنما المعجز منه على قولكم هذه الآيات خاصة ، وأما سائره فلا. وهذا كفر لا يقول به مسلم. فإن قالوا جميع القرآن مثل هذه الآيات في الإعجاز ، قيل لهم فلم خصصتم بالذكر هذه الآيات دون غيرها إذن؟ وهل هذا منكم إلا إيهام لأهل الجهل أن من القرآن معجزا وغير معجز ..؟ ونقول لهم قول الله تبارك وتعالى (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) [سورة النساء : ١٦٣].
أمعجز هو على شروطكم في كونه في أعلى درجات البلاغة أم ليس معجزا؟ فإن قالوا ليس معجزا كفروا ، وإن قالوا : هو معجز صدقوا وسئلوا : هل على شروطكم في أعلى درج البلاغة؟ فإن قالوا نعم ، كابروا وكفوا مئونتهم لأنها أسماء رجال فقط ليس على شروطهم في البلاغة. وأيضا فلو كان إعجاز القرآن لأنه في أعلى درجات البلاغة لكان بمنزلة كلام الحسن (١) وسهل بن هارون (٢) والجاحظ وشعر امرئ القيس ،
__________________
(١) هو الحسن بن أبي الحسن البصري المتوفى سنة ١١٠ ه. وهو رأس الطبقة الثالثة من التابعين. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (٢ / ٢٦٣) وتقريب التهذيب (١ / ١٦٥) وتاريخ البخاري الكبير (٢ / ٢٨٩) والجرح والتعديل (٣ / ١٧٧) وميزان الاعتدال (١ / ٤٨٣) ولسان الميزان (٢ / ١٩٩) وحلية الأولياء (٢ / ١٣١) وغيرها.
(٢) هو سهل بن هارون بن راهبون الفارسي الأصل. اتصل بخدمة هارون الرشيد ثم خدم المأمون