والثاني : أن سورة الكوثر عشر كلمات اثنان وأربعون حرفا وقد قال تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) [سورة النساء آية رقم ١٦٣] اثنتا عشرة كلمة اثنان وسبعون حرفا وإن اقتصرنا على الأسماء فقط كانت عشر كلمات ، اثنين وستين حرفا هذا أكثر كلمات وحروفا من سورة الكوثر فينبغي أن يكون هذا معجزا عندكم ويكون : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) غير معجز فإن قالوا إن هذا غير معجز تركوا قولهم في مقدار إعجاز أقل سورة في القرآن ، في عدد الكلمات وعدد الحروف ، وإن قالوا بل هو معجز تركوا قولهم في أنه في أعلى درج البلاغة ويلزمهم أيضا أننا إن أسقطنا من هذه الأسماء اسمين ومن سورة الكوثر كلمة ألّا يكون شيء من ذلك معجزا فظهر سقوط كلامهم وتخليطه وفساده. وأيضا فإذا كانت الآية والآيتان منه غير معجزة وكان مقدورا على مثلها فكل آية على انفرادها مقدور على مثلها. وإذا كانت كذلك فكله مقدور على مثله وهذا كفر. فإن قالوا إذا اجتمعت ثلاث آيات صارت غير مقدور عليها. قيل لهم هذا غير قولكم إن إعجازه إنما هو من طريق البلاغة في الآية كهو في الثلاث ولا فرق. والحق في هذا هو ما قاله الله تعالى (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) [سورة الإسراء : ٨٨] وأن كل كلمة قائمة المعنى نعلم أنها إن تليت أنها من القرآن فإنها معجزة لا يقدر أحد على المجيء بمثلها أبدا ، لأن الله تعالى حال بين الناس وبين ذلك كمن قال إن آية نبوتي أن الله تعالى يطلقني على المشي في هذا الطريق الواضح ثم لا يمشي فيه أحد غيري أبدا أو مدة يسميها فهذا أعظم ما يكون من الآيات وأن الكلمة المذكورة إذا ذكرت في خبر على أنها ليست قرآنا فهي غير معجزة ، وهذا هو الذي جاء به النص والذي عجز عنه أهل الأرض منذ أربعمائة عام وأربعين عاما وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ونحن نجد في القرآن الكريم إدخال معنى بين معنيين ليس منهما كقوله تعالى (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ) [سورة مريم : ٦٤] وليس هذا من بلاغة الناس في ورد ولا صدر ومثل هذا في القرآن كثير والحمد لله رب العالمين. تم الكلام في التوحيد ونحمد الله تعالى.