أحد وجهين. إما أن يكون مأمورا بالإيمان ، أو لا يكون مأمورا به. فإن قلتم إنه غير مأمور بالإيمان فهذا كفر مجرد ، وخلاف القرآن والإجماع ، وإن قلتم هو مأمور به وهكذا تقولون ، فلا يخلو من أحد وجهين ، إما أن يكون أمر وهو يستطيع ما أمر به فهذا قولنا لا قولكم ، أو يكون أمر وهو لا يستطيع ما أمر به ، فقد نسبتم إلى الله تعالى تكليف ما لا يستطيع ، ويلزمكم تكليف الأعمى أن يرى ، والمقعد أن يجري ، أو يطلع إلى السماء ، وهذا كله جور وظلم ، والجور والظلم منفيان عن الله عزوجل ، وقالوا : إذ لا يفعل المرء فعلا إلا بالاستطاعة الموهوبة من الله عزوجل ، فلا تخلو تلك الاستطاعة من أن يكون المرء أعطيها والفعل موجود ، أو أعطيها والفعل غير موجود ، فإن كان أعطيها والفعل موجود فلا حاجة إليها ، إذ قد وجد الفعل منه الذي يحتاج إلى الاستطاعة ليكون ذلك الفعل بها.
وإن أعطيها والفعل غير موجود فهذا قولنا ، إن الاستطاعة قبل الفعل ، والله تعالى يقول : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [سورة آل عمران : ٩٧].
قالوا : فلو لم تتقدم الاستطاعة الفعل لكان الحج لا يلزم أحدا قبل أن يحج.
وقال تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) [سورة البقرة : ١٨٤].
وقال تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [سورة المجادلة : ٤].
فلو كانت الاستطاعة للصوم لا تتقدم الصوم ما لزمت أحدا الكفارة به.
وقال تعالى : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [سورة التوبة : ٤٢].
فصح أن استطاعة الخروج موجودة مع عدم الخروج.
وقال تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [سورة التغابن : ١٦].
ولهم أيضا في خلق الأفعال اعتراض نذكره إن شاء الله تعالى.