أن هاهنا أشياء لهم بها طاقة لكان هذا الدعاء حمقا لأنهم كانوا يصيرون داعين إلى الله تعالى في أن لا يكلفهم ما لا طاقة لهم به ، وهم لا طاقة لهم بشيء من الأشياء ، فيصير دعاؤهم في أن لا يكلفوا ما قد كلفوه وهذا محال من الكلام ، والله تعالى غني عن أن يثني على المحال فصح بهذا يقينا أن هاهنا طاقة موجودة على الأفعال وبالله تعالى التوفيق.
وأما احتجاجهم بأن الله تعالى لما كان فعالا وجب أن لا يكون فعّال غيره ، فخطأ من القول لوجوه :
أحدها أن النص قد ورد بأن للإنسان أفعالا وأعمالا قال تعالى (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) [سورة المائدة : ٧٩].
فأثبت تعالى لهم الفعل وكذلك نقول إن الإنسان يصنع لأن النص قد جاء بذلك ولو لا النص ما أطلقنا شيئا من هذا وكذلك لما قال الله تعالى (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [سورة الواقعة : ٢٠] علمنا أن للإنسان اختيارا ، لأن أهل الجنة وأهل الدنيا سواء في أنه تعالى خالق أعمال الجميع ، على أن الله تعالى قال (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [سورة القصص : ٦٨] ، فعلمنا أن الاختيار الذي هو فعل الله تعالى وهو منفيّ عن من سواه هو غير الاختيار الذي أضافه إلى خلقه ووصفهم به ، ووجدها هذا أيضا حسّا لأن الاختيار الذي توحد الله تعالى به ، وهو أن يفعل ما يشاء كيف شاء وإذا شاء وليس هذه صفة شيء من خلقه. وأما الاختيار الذي أضافه إلى خلقه فهو ما خلق فيهم من الميل إلى شيء ما والإيثار له على غيره فقط. وهذا هو غاية البيان وبالله تعالى التوفيق.
ومنها أن الاشتراك في الأسماء لا يقع من أجله التشابه ، ألا ترى أننا نقول الله حيّ والإنسان حيّ والإنسان حليم عليم كريم حكيم ، والله تعالى حليم عليم كريم حكيم ، فليس هذا يوجب اشتباها بلا خلاف وإنما يقع الاشتباه بالصّفات الموجودة في الموصوفين والفرق بينهما لأن الفعل الواقع من الله عزوجل والفعل الواقع منّا هو أن الله تعالى إمّا أنه اخترعه وجعله جسما أو عرضا أو حركة أو سكونا أو معرفة أو إرادة أو كراهية أو فكرة وجعل الله تعالى ذلك فينا بغير معاناة منه ، وفعل تعالى لغير علمه ، وإنما نحن فإنما كان فعلا لنا لأنه عزوجل خلقه فينا ، وخلق اختيارنا له وأظهره عزوجل فينا محمولا لاكتساب منفعة أو لدفع مضرّة ولم نخترعه نحن.
وأما من قال بالاستطاعة قبل الفعل : فعمدة حجتهم أن قالوا لا يخلو الكافر من