قيل لهم : هذا هو نفسه الذي أردنا منكم وهو أنه لا يقدر قدرة تامة ، ولا يستطيع استطاعة تامة على فعل ما دام فاعلا لما يمانعه ، فإذا ترك كل ذلك وشرع فيما أمر به ، فحينئذ تمت قدرته واستطاعته ، لا بد من ذلك ، وهذا هو نفسه ما موّهوا به في سؤالهم لنا : هل أمر الله تعالى العبد بما يستطيع قبل أن يفعله أم بما لا يستطيع حتى يفعل ..؟
وهذا لازم لهم ، لأنهم شنعوه وعظموه فلما ألزموه أنكروه ، ونحن لا ننكره ولا نرى ذلك إلزاما صحيحا فقبحه عائد عليهم ، وإنما يلزم الشيء لمن صححه ، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وقد أجاب في هذه المسألة عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبيّ البلخي ، أحد رؤساء المعتزلة القائلين بالأصلح ، بأن قال : إنا لا نختلف بأن الله تعالى قادر على تسكين المتحرك وتحريك الساكن ، وليس يوصف بالقدرة على أنه يجعله ساكنا متحركا معا.
قال أبو محمد : وليس كما قال الجاهل الملحد فيما وصف به الله تعالى ، بل هو قادر على أن يجعل الشيء ساكنا متحركا معا في وقت واحد من وجه واحد ، ولكن كلام البلخي هذا لازم لمن التزم هذه الكفرة الصلعاء ، من أن الله عزوجل لا يوصف بالقدرة على المحال ، وهذه طائفة معجّزة لله تعالى ، إلا أنها أدغمت قبيح قولها بأن قالت : لا يوصف بالقدرة على المحال.
ويقال لهم : لم لا يوصف بالقدرة على ذلك ألأن له قدرة على ذلك ولا يوصف بها ، أم لأنه لا قدرة له على ذلك؟ ولا محيد لهم عن هذا. وهذه طائفة جعلت قدرة ربها تعالى متناهية ، بل قطعوا بأنه تعالى لا يقدر على الشيء حتى يفعله ، وهذا كفر مجرد لا خفاء به ، ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : ويقال للمعتزلة أيضا : أنتم تقرون معنا بأن الله عزوجل لم يزل عليما بأن كل كائن فإنه سيكون على ما هو عليه إذا كان ولم يزل الله تعالى عليما بأن فلانا سيطأ فلانة في وقت كذا فتحمل منه بولد يخلقه الله تعالى من منيّهما الخارج منهما عند جماعه إياها ، وأنه يعيش ثمانين سنة ، ويملك ويفعل ويصنع ، فإذا قلتم : إن ذلك الفلان يقدر قدرة تامة على ترك الوطء الذي لم يزل الله تعالى يعلم أنه سيكون ، وأنه يخلق منه ذلك الولد ، فقد قطعتم بأنه قادر على أن يمنع الله تعالى من خلق ما قد علم أنه سيخلقه ، وأنه قادر قدرة تامة على إبطال علم الله تعالى وهذا كفر ممن أجازه.