قال أبو محمد : والبرهان على صحة قول من قال : إن الله تعالى خلق أفعال العباد كلها نصوص من القرآن وبراهين ضرورية منتجة من بديهة العقل والحواس ، لا يغيب عنها إلا جاهل وبالله تعالى التوفيق.
فمن النّصوص : قول الله عزوجل : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [سورة فاطر : ٣].
قال أبو محمد : هذا كاف لمن عقل واتقى ربه.
وقال لي بعضهم : إنما أنكر الله عزوجل أن يكون هاهنا خالق غيره يرزقنا كما في نص الآية.
قال أبو محمد : وجواب هذا أنه ليس كما ظن هذا القائل بل القضية قد تمت في قول الله تعالى : (غَيْرُ اللهِ) ثم ابتدأ عزوجل بتعديد نعمه علينا ، فأخبرنا أنه يرزقنا من السماء والأرض.
وقال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [سورة الروم : ٣٠].
وهذا نص جلي على أن الدين مخلوق لله تعالى.
وقال تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) [سورة الفرقان : ٣].
قال أبو محمد : ومنهم من يعبد المسيح ، وقالت الملائكة : كذبوا بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم. فصحّ أنّ كلّ ما عبدوه وفيهم المسيح والجن لا يخلقون شيئا ، ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ، فثبت يقينا أنهم مصرّفون مدبّرون ، وأن أفعالهم مخلوقة لغيرهم.
وقال تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [سورة النحل : ١٧].
قال أبو محمد : وهذا نص جلي على إبطال أن يخلق أحد دون الله تعالى شيئا ، لأنه لو كان هاهنا أحد غيره يخلق لكان من يخلق موجودا جنسا في حيز ، ومن لا يخلق جنسا آخر.
وكان الشبه بين من يخلق وبين من لا يخلق موجودا ، وكان من يخلق لا يشبه من لا يخلق وهذا إلحاد عظيم.
فصحّ بنص هذه الآية أن الله تعالى هو يخلق وحده ، وكلّ من عداه لا يخلق شيئا ، وليس أحد مثله تعالى ، فليس من يخلق وهو الله تعالى كمن لا يخلق وهو كل من سواه.