وهذا نص جلي على أنه تعالى خالق أعمالنا.
وقد فسر بعضهم قول الله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٩٦] أنه خلقنا وخلق العيدان والمعادن التي تعمل منها الأوثان.
قال أبو محمد : وهذا كلام سخيف دل على جهل قائله وعناده وانقطاعه ، لأنه لا يقول أحد في اللغة التي بها خوطبنا في القرآن وبها نتفاهم فيما بيننا أن الإنسان يعمل العود والحجر ، هذا ما لا يجوز في اللّغة أصلا ولا في المعقول ، وإنما يستعمل ذلك موصولا فنقول عملت هذا العود صنما ، وهذا الحجر وثنا.
فإنما بيّن الله تعالى أنه خلق الصنمية التي هي شكل الصنم ، فنص على ذلك بقوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٩٥ ، ٩٦].
فإنما النحت بنص الآية وضرورة الحس ، هو الذي عملنا ، وهو الذي أخبر تعالى أنه خلقنا.
قال أبو محمد : وقد ذكر عن كبير منهم وهو محمد بن عبد الله الإسكافي (١) أنه كان يقول إنّ الله تعالى لم يخلق العيدان ولا الطنابير ولا المزامير.
ولقد يلزم المعتزلة أن توافقه على هذا ، لأن الخشبة لا تسمى عودا ولا طنبورا ، ولو حلف إنسان أنه لا يشتري طنبورا فاشترى خشبا لم يحنث ، ولو حلف أن لا يشتري خشبا فاشترى طنبورا لم يقع عليه حنث لأن الطنبور لا يقع عليه في اللغة اسم خشبة.
وقال تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [سورة السجدة : ٤] فهي مخلوقة بنص القرآن.
وقد قال بعضهم : إنما خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام فكانت أعمال العبد مخلوقة في تلك الستة الأيام.
قال أبو محمد : لم ينف الله تعالى أن يخلق شيئا بعد الستة الأيام ، بل قال عزوجل : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) [سورة الزمر : ٦].
__________________
(١) هو العلامة أبو جعفر محمد بن عبد الله السمرقندي الإسكافي المتكلم. كان في صباه خياطا ، ثم برع في الكلام وبقي المعتصم معجبا به كثيرا ، فأدناه وأجزل عطاءه. ذكر له النديم مصنفات عدة ، منها «نقض كتاب حسين النجار» وكتاب «الرّدّ على من أنكر خلق القرآن» وكتاب «تفضيل عليّ». توفي الإسكافي سنة ٢٤٠ ه. انظر ترجمته في الفهرست (ص ٢١٣) وسير أعلام النبلاء (١٠ / ٥٥٠) وطبقات المعتزلة (ص ٧٨).