وقد صح أنه عليهالسلام قال في الزكاة : «من سألها على وجهها فليعطها ، ومن سألها على غير وجهها فلا يعطها» (١). وهذا خبر ثابت رويناه عن طريق الثقات عن أنس بن مالك ، عن أبي بكر الصديق ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وهذا يبطل تأويل من تأوّل أحاديث القتال عن المال على اللصوص ، لأن اللصوص لا يطلبون الزكاة ، وإنما يطلبها السلطان ، فافترض عليهالسلام منعها إذا سألها على غير ما أمر به عليهالسلام ، ولو اجتمع أهل الحق ما قاومهم أهل الباطل ، نسأل الله المغفرة والتوفيق.
قال أبو محمد : وأمّا ما اعترضوا به من فعل عثمان فما علم قط أنه يقتل ، وإنما كان يراهم يحاصرونه فقط ، وهم لا يرون هذا اليوم للإمام العدل ، بل يرون القتال معه ودونه فرضا ، فلا حجة لهم في أمر عثمان رضي الله عنه.
وقال بعضهم : إنّ في القتال إباحة الحريم وسفك الدماء ، وأخذ الأموال ، وهتك الأستار ، وانتثار (٢) الأمر.
فقال لهم الآخرون : كلّا لأنه لا يحل لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر أن يهتك حريما ، ولا أن يأخذ مالا بغير حق ، ولا أن يتعرض لمن لا يقاتله ، فإن فعل شيئا من هذا فهو الذي فعل ما ينبغي أن يغير عليه ، وأمّا قتله أهل المنكر قلّوا أو كثروا فهذا فرض عليه.
وأمّا قتل أهل المنكر للناس ، وأخذهم أموالهم ، وهتكهم حريمهم فهذا كلّه من المنكر الذي يلزم الناس تغييره.
وأيضا : فلو كان خوف ما ذكروا مانعا من تغيير المنكر ومن الأمر بالمعروف ، لكان هذا بعينه مانعا من جهاد أهل الحرب ، وهذا ما لا يقوله مسلم ، وإن أدّى ذلك إلى سبي النصارى نساء المسلمين وأولادهم ، وأخذ أموالهم ، وسفك دمائهم ، وهتك حريمهم.
ولا خلاف بين المسلمين في أنّ الجهاد واجب مع وجود هذا كله ، ولا فرق بين الأمرين ، وكل ذلك جهاد ودعاء إلى القرآن والسنة.
قال أبو محمد : ويقال لهم ما تقولون في سلطان جعل اليهود أصحاب أمره ، والنصارى جنده ، وألزم المسلمين الجزية ، وحمل السيف على أطفال المسلمين ، وأباح
__________________
(١) رواه البخاري في الزكاة باب ٣٨ ، والنسائي في الزكاة باب ٥ و ١٠.
(٢) كانت في الأصل : «وانتشار» بالشين المعجمة. والصواب ما أثبتناه.