وزعم أبو الهذيل أيضا : أن أهل الجنة وأهل النار تفنى حركاتهم حتى يصيروا جمادا لا يقدرون على تحريك شيء من أعضائهم ، ولا على البراح من مواضعهم وهم في تلك الحال متلذذون ومتألمون إلّا أنهم لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يطئون بعد هذا أبدا ، وكان يزعم أيضا أن لما يعلمه الله عزوجل آخرا ونهاية ، وكلّا لا يعلم الله شيئا سواه.
وادّعى قوم من المعتزلة أنه تاب عن هذه الطّوامّ الثلاث.
قال أبو محمد : وهذا لا يصح ، وإنما ادّعوا ذلك حياء من هذه الكفرات الصلع لإمامهم إمام الضلالة.
وذكر عن أبي الهذيل أيضا أنه قال : إنّ الله تعالى ليس خلافا لخلقه ، وكان يكفّر من قال إن الله تعالى خلاف لخلقه. والعجب أنه مع هذا الإقدام العظيم ينكر التشبيه ، وهذا عين التشبيه لأنه ليس إلّا خلاف أو مثل أو ضدّ ، فإذا بطل أن يكون خلافا أو ضدّا فهو مثل ولا بدّ تعالى الله عن هذا علوّا كبيرا.
وكان أبو الهذيل يقول : إنّ الله لم يزل عليما ، وكان ينكر أن يقال : إن الله عزوجل لم يزل سميعا بصيرا.
قال أبو محمد : وهذا خلاف القرآن لأن الله تعالى قال : (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [سورة النساء : ١٣٤].
كما قال : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) [سورة النساء : ١٠٤].
وكلهم قال إنّ الله تعالى لم يزل يعلم أنّ من مات كافرا فإنه لا يؤمن أبدا وأنه تعالى حكم وقال : إنّ أبا لهب وامرأته سيصليان النار كافرين ، ثم قطعوا كلهم بأنّ أبا لهب وامرأته كانا قادرين على الإيمان وعلى ألّا تمسّهما النار ، وأنهما كان ممكنا لهما تكذيب الله عزوجل ، وأنهما كانا قادرين على إبطال علم الله عزوجل ، وعلى أن يجعلاه كاذبا في قوله ، هذا نصّ قولهم بلا تطويل.
قال : وكان إبراهيم بن سيّار النظام أبو إسحاق البصري مولى بني بحير بن الحارث بن عباد الضبعي أكبر شيوخ المعتزلة ، ومقدمة علمائهم يقول : إن الله تعالى لا يقدر على ظلم أحد أصلا ، ولا على شيء من الشر ، وأن النّاس يقدرون على كل ذلك ، وأنه تعالى لو كان قادرا على ذلك لكنا لا نأمن أن يفعله ، أو أنه قد فعله. فكان الناس عنده أتم قدرة من الله تعالى. وكان يصرّح بأن الله تعالى لا يقدر على إخراج أحد من جهنم ، ولا إخراج أحد من أهل الجنة عنها ، ولا على طرح طفل في جهنم ، وأنّ الناس وكل واحد من الجنّ والملائكة يقدرون على ذلك ، فكان الله عزوجل عنده أعجز من