كل ضعيف من خلقه ، وكان كل أحد من الخلق أتم قدرة من الله تعالى وهذا الكفر المجرد الذي نعوذ بالله منه.
ومن العجب اتفاق النظام والعلّاف شيخي المعتزلة على أنه ليس يقدر الله تعالى من الخير على أصلح ممّا عمل ، فاتفقا على أنّ قدرته على الخير متناهية.
ثم قال النظام : إنه تعالى لا يقدر على الشرّ جملة ، فجعله عديم قدرة على الشر جملة ، عاجزا عنه.
وقال العلّاف : بل هو قادر على الشر جملة فجعل ربه متناهي القدرة على الخير وغير متناهي القدرة على الشر. فهل سمع بأخبث صفة من الصفة التي وصف بها العلّاف ربه!!؟ وهل في الموصوفين أخبث طبيعة من الموصوف الذي ادّعى العلّاف أنه ربّه؟ ونعوذ بالله مما ابتلاهم به.
وأمّا أبو المعتمر معمّر بن عمرو العطار البصري مولى بني سليم أحد شيوخهم وأئمتهم فكان يقول بأن في العالم أشياء موجودة لا نهاية لها ، ولا يحصيها الباري تعالى ولا أحد أيضا غيره ، ولا لها عنده تعالى مقدار ولا عدد ، وذلك أنه كان يقول : إن الأشياء تختلف بمعان فيها ، وأن تلك المعاني تختلف بمعان أخر فيها ، وتلك المعاني أيضا تختلف بمعان أخر فيها ، وهكذا أبدا بلا نهاية ، وهذا تكذيب واضح لله تعالى في قوله : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) [سورة الرعد : ٨]. وفي قوله تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) [سورة الجن : ٢٨].
وتوافقه الدّهرية في قولهم بوجود أشياء لا نهاية لها ، وعلى هذا طلبته المعتزلة بالبصرة عند السلطان حتى فرّ إلى بغداد ومات بها مختفيا عند إبراهيم بن السندي بن شاهك ، وكان معمر أيضا يزعم أن الله عزوجل لم يخلق شيئا من الألوان ولا طولا ولا عرضا ولا طعما ، ولا رائحة ولا خشونة ولا إملاسا ، ولا حسنا ، ولا قبحا ، ولا صوتا ، ولا قوة ولا ضعفا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، ولا مرضا ولا صحة ولا عافية ولا سقما ، ولا عمّى ولا بكما ولا بصرا ولا سمعا ولا فصاحة ولا فسادا للثمار ولا صلاحا لها ، وأنّ كل ذلك فعل الأجسام التي وجدت فيها هذه الأعراض بطباعها.
فاعلموا أنّ هذا الفاسق قد أخرج نصف العالم عن خلق الله تعالى لأنه ليس العالم شيئا إلّا الجواهر الحاملة والأعراض المحمولة فقط ، فالنصف الواحد عنده غير مخلوق ، لعنه الله من مكذّب لله تعالى في نصّ قوله تعالى : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [سورة الملك : ٢].