وقد عورض معمر بهذه الآية فقال : إنما أراد أنه خلق الإماتة والإحياء. وذكر عنه أنه كان ينكر أن يكون الله عزوجل عالما بنفسه ، وذلك لأنّ العالم إنما يعلم غيره ، ولا يعلم نفسه ، وكان يزعم أنّ النفس ليست جسما ولا عرضا ، ولا هي في مكان أصلا ، ولا تماس شيئا ولا تباينه ولا تتحرك ولا تسكن.
قال أبو محمد : وهذا قول أهل الإلحاد محضا بلا تأويل يعني القائلين منهم بقدم النفس وأنها الخالقة للأشياء ، نعوذ بالله من الضلال.
وكان يقول : إن الله تعالى لا يعلم نفسه ولا يجهلها ، لأنّ العالم غير المعلوم ومحال أن يقدر على الموجودات أو أن يعلمها أو أن يجهلها.
وقال أبو العباس عبد الله بن محمد الأنباري المعروف بالناشئ لقبه شرشير في كتابه في المقالات : إن الله تعالى لا يقدر على أن يسوّي بنان الإنسان بعد أن سبق في علمه أنه لا يسويها.
قال أبو محمد : وهذا تكذيب محض لله تعالى في قوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [سورة القيامة : ٣ ، ٤].
ورأيت للجاحظ في كتابه «البرهان» لو أن سائلا سأله وقال : أيقدر الله تعالى على أن يخلق قبل الدنيا دنيا أخرى؟ فجوابه نعم ، بمعنى أنه يخلق تلك الدنيا حين خلق هذه فتكون مثل هذه.
قال أبو محمد : هذا تعجيز منه للباري تعالى كما قدمنا إذ لم تحصل له تعالى قدرة على خلق دنيا قبل هذه إلّا على الوجه الذي ذكره ، وأمّا على غيره فلا. فإن قيل كيف تجيبون؟ قلنا : جوابنا : نعم. على الإطلاق.
فإن قيل لنا : كيف يصحّ هذا السؤال وأنتم تقولون إنه لا يجوز أن يقال إنّ قبل العالم شيئا لأن قبل وبعد من الزمان ولا زمان هنالك.
قلنا : معنى قولنا نعم. أي أنّه تعالى لم يزل قادرا على أن يخلق عالما لو خلقه لكان له زمان قبل زمان هذا العالم. وهكذا أبدا. وبالله تعالى التوفيق.
وأمّا ضرار بن عمرو ، فإنه كان يقول : إنّ ممكنا أن يكون جميع من في الأرض ممّن يظهر الإسلام كفارا كلهم في باطن أمرهم لأن كل ذلك جائز على كل واحد منهم في ذاته.
ومن حماقات ضرار أنه كان يقول : إنّ الأجسام إنما هي أعراض مجتمعة ، وأن