النّار ليس فيها حر ، ولا في الثلج برد ، ولا في العسل حلاوة ، ولا في الصبر مرارة ، ولا في العنب عصير ، ولا في الزّيتون زيت ، ولا في العروق دم ، وأنّ كل ذلك إنما يخلقه الله عزوجل عند القطع والذّوق والعصر واللمس فقط.
وأمّا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصري الكناني صليبة وقيل بل مولى ـ وهو تلميذ النظام ، وأحد شيوخ المعتزلة ـ فإنه كان يقول : إنّ الله تعالى لا يقدر على إفناء الأجسام البتة إلا أن يرققها ويفرق أجزاءها فقط ، وأمّا إعدامها فلا يقدر على ذلك أصلا.
وأمّا أبو معن ثمامة بن أشرس النميري صليبية بصري أحد شيوخ المعتزلة وعلمائهم فذكر عنه أنه كان يقول : إن العالم فعل الله عزوجل بطباعه تعالى الله عن هذا الكفر الشنيع علوّا كبيرا ، وكان يزعم أنّ المقلدين من اليهود والنّصارى والمجوس وعبّاد الأوثان لا يدخلون النّار يوم القيامة لكن يصيرون ترابا ، وأنّ كلّ من مات من أهل الإسلام والإيمان المحض والاجتهاد في العبادة مصرّا على كبيرة من الكبائر كشرب الخمر ونحوها ، وإن كان لم يواقع ذلك إلّا مرة في الدّهر فإنه مخلّد بين أطباق النيران أبدا مع فرعون وأبي لهب وأبي جهل.
قال أبو محمد : فأيّ كفر أعجب من قول من يقول إنّ كثيرا من الكفار لا يدخلون النار ، وأن كثيرا من المسلمين لا يدخلون الجنة.
وكان ثمامة يقول : إن إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجميع أولاد المسلمين الذين يموتون قبل الحلم وجميع مجانين الإسلام لا يدخلون الجنة أبدا ، ولكن يصيرون ترابا.
وأمّا هشام بن عمرو الفوطي أحد شيوخ المعتزلة : فكان يقول إذا خلق الله تعالى شيئا فإنه لا يقدر على أن يخلق مثل ذلك الشيء أبدا لكن يقدر على أن يخلق غيره ، والغيران عنده لا يكونان مثلين ، وكان لا يجيز لأحد أن يقول حسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا أنّ الله يعذب الكفار بالنار ، ولا أنه يحيى الأرض بالمطر ، ويرى هذا القول والقول بأن الله تعالى يضل من يشاء ويهدي من يشاء ضلالا وإلحادا.
قال أبو محمد : وهذا ردّ على الله تعالى جهارا ، وكان يقول : لا يحل القول بشيء من هذا إلّا عند قراءة القرآن فقط ، وكان يقول : قولوا حسبنا الله ونعم المتوكل عليه ، وكان يقول : قولوا إن الله يعذّب الكفار في النار ، ويحيى الأرض عند نزول المطر. وكان لا يجيز القول بأن الله ألّف بين قلوب المؤمنين ولا أنّ القرآن عمّى على الكافرين ، وكان يقول : إنّ من هو الآن مؤمن عابد إلّا أن في علم الله أنه يموت كافرا