قال أبو محمد : وهذا لا يوجب له فضلا على من سواه ولا استحقاق الإمامة بعده عليهالسلام ، لأن هارون لم يل أمر بني إسرائيل بعد موسى عليهماالسلام ، وإنما ولي الأمر بعد موسى عليهالسلام يوشع بن نون فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر عليهماالسلام ، كما ولي الأمر بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة.
وإذا لم يكن علي نبيا كما كان هارون نبيا ، ولا كان هارون خليفة بعد موت موسى على بني إسرائيل ، فصح أن كونه رضي الله عنه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة فقط ، وأيضا فإنما قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذا القول إذ استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ، فقال المنافقون استقله فخلّفه فلحق علي برسول الله صلىاللهعليهوسلم فشكى ذلك إليه فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم حينئذ : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» يريد عليهالسلام أنه استخلفه على المدينة مختارا لاستخلافه كما استخلف موسى عليهالسلام هارون عليهالسلام أيضا مختارا لاستخلافه ، ثم قد استخلف عليهالسلام قبل تبوك وبعد تبوك على المدينة في أسفاره رجالا سوى علي رضي الله عنه فصح أن هذا الاستخلاف لا يوجب لعلي فضلا على غيره ، ولا ولاية الأمر بعده ، كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين.
قال أبو محمد : وعمدة ما احتجت به الإمامية أن قالوا : لا بد من أن يكون إمام معصوم ، عنده جميع علم الشريعة ، يرجع الناس إليه في أحكام الدين ، ليكونوا مما تعبدوا به على يقين.
قال أبو محمد : هذا لا شك فيه ، وذلك (١) معروف ببراهينه الواضحة ، وأعلامه المعجزة ، وآياته الباهرة ، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلينا تبيان دينه الذي ألزمناه إياه صلىاللهعليهوسلم فإن كلامه وعهوده وما بلغ من كلام الله تعالى حجة نافذة معصومة من كل آفة ، إلى من بحضرته وإلى من كان في حياته غائبا عن حضرته ، وإلى كل من يأتي بعد موته صلىاللهعليهوسلم ، إلى يوم القيامة من جن وإنس.
قال الله عزوجل : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ)
__________________
ماجة في المقدمة باب ١١. وأحمد في المسند (١ / ١٧٠ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٨٢ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ٣ / ٣٢).
(١) أي الإمام المعصوم.