معرفة ولا اعتقاد ، فكان هذا أشنع كفر وأبرده بعد كفر الغالية من الرافضة ، وقالوا : إن إبليس لم يكفر بمعصيته الله تعالى في ترك السجود لآدم ولا بقوله عن آدم أنا خير منه وإنما كفر بجحد لله تعالى كان في قلبه.
قال أبو محمد : هذا خلاف للقرآن ، وتكهن لا يعرف صحته إلا من حدثه به إبليس عن نفسه ، على أن الشيخ غير ثقة فيما يحدث به.
وقالت الأشعرية أيضا : إن فرعون لم يعرف قط أن موسى إنما جاء بتلك الآيات من عند الله حقا ، وأن اليهود والنصارى الذين كانوا في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم لم يعرفوا قط أن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حقا ، ولا عرفوا أنه مكتوب في التوراة والإنجيل ، وأن من عرف ذلك منهم وكتمه وتمادى على إعلان الكفر ، ومحاربة النبي صلىاللهعليهوسلم لخيبر ومن بنى قريظة وغيرهم ، فإنهم كانوا مؤمنين عند الله عزوجل ، أولياء لله من أهل الجنة.
فقلنا لهم : ويلكم هذا تكذيب لله عزوجل إذ يقول : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [سورة الأعراف : ١٥٧](يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [سورة البقرة : ١٤٦] ، (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) [سورة الأنعام : ٣٣]. فقالوا لنا : معنى هذا أنهم وجدوا خطّا مكتوبا عندهم لم يفهموا معناه ، ولا دروا ما هو ، ونعم عرفوا صورته فقط ، ودروا أنه «محمد بن عبد الله بن عبد المطلب» كما يعرف الإنسان جاره فقط. فكان هذا كفرا باردا وتحريفا لكلام الله تعالى عن موضعه ، ومكابرة سمجة ، وحماقة ودفعا للضرورة. وقد تقصّينا الردّ على أهل هذه المقالة الملعونة في كتاب لنا رسمه كتاب «اليقين في النقض على الملحدين المحتجين عن إبليس اللعين وسائر الكافرين» تقصّينا فيه كلام رجل من كبارهم من أهل القيروان ، اسمه عطاف بن دوناس في كتاب ألفه في نصر هذه المقالة ، وكان لشيخهم الأشعري في إعجاز القرآن قولان أحدهما : كما يقول المسلمون إنه معجز النظم ، والآخر : إنما هو المعجز الذي لم يفارق الله عزوجل قط والذي لم يزل غير مخلوق ، ولا أنزل إلينا ولا سمعناه قط ، ولا سمعه جبريل ولا محمد عليهماالسلام قط ، وأما الذي يقرأ في المصاحف ، ونسمعه من القرآن ، فليس معجزا بل مقدور على مثله ، وهذا كفر صريح وخلاف لله تعالى ولجميع أهل الإسلام. وقال كبيرهم وهو محمد بن الطيب الباقلاني : إن لله تعالى خمس عشرة صفة ، كلها قديمة لم تزل مع الله تعالى ، وكلها غير الله وخلاف الله تعالى ، وكل واحدة منهن غير الأخرى منها ، وخلاف لسائرها ، وأنّ الله تعالى غيرهن وخلافهن.
قال أبو محمد : هذا والله أعظم من قول النصارى ، وأدخل في الكفر والشرك ،