علي بكلمة يذكر فيها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نص عليه ، ولا ادعى ذلك عليّ قط لا في ذلك الوقت ولا بعده ، ولا ادعاه له أحد في ذلك الوقت ، ومن المحال الممتنع الذي لا يمكن البتة ولا يجوز اتفاق أكثر من عشرين ألف إنسان متنابذي الهمم ، والنيات ، والأنساب ، أكثرهم موتور من صاحبه في الدماء من الجاهلية على طي عهد عهده رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهم ، وما وجدنا قط رواية عن أحد في النص المدعى إلا رواية واهية عن مجهولين إلى مجهول يكنى أبا الحمراء لا يعرف من هو في الخلق. ووجدنا عليا رضي الله عنه قد توقف عن البيعة لأبي بكر رضي الله عنه ستة أشهر ، فما أكرهه أبو بكر على البيعة حتى بايع طائعا ، مراجعا ، غير مكره ، فكيف حل لعلي رضي الله عنه عند هؤلاء النوكى (١) أن يبايع طائعا رجلا إما كافرا ، وإما فاسقا جاحدا ، لنص رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويعينه على أمره ويجالسه في مجالسه ويواليه إلى أن مات ..؟. ثم بايع بعده عمر بن الخطاب مبادرا غير متردد ساعة فما فوقها غير مكره بل طائعا ، وصحبه وأعانه على أمره وأنكحه من ابنته فاطمة رضي الله عنها ، ثم قبل إدخاله في الشورى أحد ستة رجال ، فكيف حل لعلي عند هؤلاء الجهال أن يشارك بنفسه في شورى ضالة ، وكفر ، ويغر الأمة هذا الغرور؟ وهذا الأمر أدى أبا كامل إلى تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، لأنه في زعمه أعان الكفار على كفرهم ، وأيديهم على كتمان الديانة ، وعلى ما لا يتم الدين إلا به.
قال أبو محمد : ولا يجوز أن يظن بعلي رضي الله عنه أنه أمسك عن ذكر النص عليه خوف الموت ، وهو الأسد شجاعة ، قد عرض نفسه للموت بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرات ثم يوم الجمل ، وصفين ، فما الذي جبنه بين هاتين الحالتين؟ وما الذي ألف بين بصائر الناس على كتمان حق علي ، ومنعه ما هو أحق به مذ مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه؟ ثم ما الذي جلى بصائرهم في عونه ، إذ دعا إلى نفسه فقامت معه طوائف من المسلمين عظيمة ، وبذلوا دماءهم دونه ، ورأوه حينئذ صاحب الأمر ، والأولى بالحق ممن نازعه؟ فما الذي منعه ومنعهم من الكلام وإظهار النص الذي يدعيه الكذابون إذ مات عمر رضي الله عنه ، وبقي الناس بلا رأس ثلاثة أيام أو يوم السقيفة؟ وأظرف من هذا كله بقاؤه ممسكا عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه ستة أشهر ، فما سألها ولا أجبر عليها ولا كلفها ، وهو متصرف بينهم في أموره
__________________
(١) النوكى : جمع أنوك ، وهو الأحمق (المعجم الوسيط : ص ٩٦٤).