من عنده عليهالسلام ظهر بوحي الله تعالى إليه ، وبما فيه من الغيوب التي قد ظهر إنذاره بها ، وأما من لا علم له باللغة والأخبار فيكفيه إخبار من يقع له العلم بخبره بأن العرب عجزت عن مثله ، وأنه أتى به مفصلا عند حلول القصص التي أنزل الله تعالى فيها الآية والآيتين ، والكلمة والكلمتين ، من القرآن والسورة ، حتى تمّ كما هو ، فهذا هو الحق لا ذلك الإلحاد المحض والكلام الغث السخيف.
ومن كفراتهم الصّلع (١) قول السّمناني إذ نصّ على أن الباقلاني كان يقول : إن جميع المعاصي كلها لا نجد شيئا منها مما يجب أن يستغفر الله منه جائز وقوعها من النبي صلىاللهعليهوسلم حاشى الكذب في البلاغ فقط. وقال الباقلاني : إذا نهي النبي صلىاللهعليهوسلم عن شيء ثم فعله فليس ذلك دليلا على أنه منسوخ ، إذ قد يفعله عاصيا لله عزوجل. قال الباقلاني : وليس على أصحابه فرضا أن ينكروا ذلك عليه. قال السّمناني في كتاب الإمامة : لو لا دلالة العقل على وجوب كون النبي صلىاللهعليهوسلم معصوما في البلاغ عن الله عزوجل لما وجب كونه معصوما في البلاغ ، كما لا يجب فيما سواه من أفعاله وأقواله. وقال أيضا في مكان آخر منه ، وكذلك يجوز أن يكفر النبي بعد أداء الرسالة.
قال أبو محمد : بالله الذي لا إله إلا هو ما قال هذا القول ناصرا له وداعيا إليه مسلم قط ، وما كان قائله إلا كافرا ملحدا ، فاعلموا أيها الناس أنه قد جوّز على النبي صلىاللهعليهوسلم الكفر والزنا ، واللياطة ، والبغاء ، والسرقة ، وجميع المعاصي ، فأي كيد للإسلام يا للناس أعظم من هذا ...؟؟ وأما صاحبه ابن فورك فإنه منع من هذا وأنكره ، وأجاز على النبي صلىاللهعليهوسلم صغار المعاصي كقبول النساء والتعريض لهن ، وتفخيذ الصبيان ، ونحو ذلك. وأما شيخهما ابن مجاهد البصري ـ ليس بالمقرى (٢) ـ فإنه منع من كل ذلك وحاشى لله من أن يجوّز من النبي صلىاللهعليهوسلم ذنبا بعمد لا صغيرا ولا كبيرا ، لقول الله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [سورة الأحزاب : ٢١] ومن المحال أن يأمرنا الله تعالى أن نتأسّى بعاص في معصية صغرت أو كبرت ، واعجبوا لاستخفاف هذا الملحد بالدين وبالمسلمين ، إذ يقول هاهنا إنه ليس فرضا على أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم أن ينكروا عليه عصيان ربه ، ومخالفة أمره الذي أمرهم به ، وهو يقول في نصره للقياس إن قياس من قاس من الصحابة وسكوت من سكت منهم عن إنكاره دليل على وجوب
__________________
(١) الصلع : جمع صلعاء. والصلعاء : الداهية الشديدة ، على المثل ، أي أنه لا متعلق منها. انظر لسان العرب (٨ / ٢٠٥ ـ مادة صلع).
(٢) قوله «ليس بالمقرىء» ، أي هو غير ابن مجاهد المقرئ المشهور.