كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) [سورة طه : ٦٩]. فأخبر تعالى أنه كيد لا حقيقة له.
فإن قيل : قد قال عزوجل : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) [سورة الأعراف : ١١٦].
قلنا : نعم إنها حيل عظيمة وإثم عظيم ، إذ قصدوا بها معارضة معجزات رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنهم كادوا عيون الناس إذ أوهموهم أن تلك الحبال والعصي تسعى ، واتفقت الآيات كلها والحمد لله رب العالمين. وكان الذي قدر من لا يدري حيلهم من أنها تسعى ظنا أصله اليقين وذلك لأنهم رأوا صفات حيّات رقط طوال تضطرب ، فسارعوا إلى الظن ، وقدروا أنها ذات حيات ، ولو أنعموا النظر وفتشوها لوقفوا على الحيلة فيها ، وأنها ملئت زئبقا ولد فيها تلك الحركات ، كما يفعل العجائبي الذي يضرب بسكينه في جسم إنسان ، فيظن من رآه ممن لا يدري حيله أن السكين غاصت في جسم المضروب ، وليس كذلك بل كان نصاب السكّين مثقوبا فقط ، فغاصت السكين في النصاب ، وكإدخاله خيطا في حلقة خاتم ، ثم يمسك إنسان غير متهم طرفي الخيط بيديه ، ثم يأخذ العجائبي الخاتم الذي فيه الخيط بفيه ، وفي ذلك المقام أدخله تحت يده وكان في فيه خاتم آخر يرى من حضر حلقة الخاتم الذي في فيه يوهمهم أنه قد أخرجه من الخيط ، ثم يرد فمه إلى الخيط ويرفع يديه وفيه فينظر الخاتم الذي كان فيه الخيط ، وكذلك سائر حيلهم ، وقد وقفنا على جميعها ، فهذا هو معنى قوله تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ). أي أنهم أوهموا الناس فيما رأوه ظنونا متوهمة لا حقيقة لها ، ولو فتشوها للاح لهم الحق. وكذلك قول الله عزوجل : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) [سورة البقرة : ١٠٢] فهذا أمره ممكن يفعله النّمام وكذلك ما روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سحره لبيد بن الأعصم ، فولّد ذلك عليه مرضا حتى كان يظن أنه فعل الشيء وهو لم يفعله (١) ، فليس في هذا أيضا إحالة طبيعة ، ولا قلب عين ، وإنما هو تأثير بقوة لتلك الصناعة ، كما قلنا في الطلسمات
__________________
(١) نصّ الحديث كما رواه البخاري في كتاب الطب (باب ٤٧ ، حديث رقم ٧٥٦٣) عن عائشة رضي الله عنها قالت : سحر رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم ، حتى كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخيّل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله ، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو؟؟؟ لكنه دعا ودعا ، ثم قال : «يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي ...» الحديث ، وهو طويل.