أصلا. فإذ ذلك كذلك فقد جاء القرآن بأن الله تعالى عزوجل أرسل ملائكة إلى نساء فأخبروهن بوحي حق من الله تعالى ، فبشروا أم إسحاق بإسحاق عن الله تعالى قال عزوجل : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) [سورة هود : ٧١ ـ ٧٣].
فهذا خطاب الملائكة لأم إسحاق عن الله عزوجل بالبشارة لها بإسحاق ، ثم يعقوب ، ثم بقولهم لها : أتعجبين من أمر الله ....؟ ولا يمكن البتة أن يكون هذا الخطاب من ملك لغير نبي بوجه من الوجوه ، ووجدناه تعالى قد أرسل جبريل إلى مريم أم عيسى عليهماالسلام فخاطبها وقال لها : (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) [سورة مريم : ١٩].
فهذه نبوة صحيحة بوحي صحيح ورسالة من الله تعالى إليها. وكان زكريا عليهالسلام يجد عندها من الله رزقا واردا تمنى من أجله ولدا فاضلا ، ووجدنا أم موسى عليهماالسلام قد أوحى الله إليها بإلقاء ولدها في اليمّ ، وأعلمها بأنه سيرده إليها ويجعله نبيا مرسلا ، فهذه نبوة صحيحة لا شك فيها. وبضرورة العقل يدري كل ذي تمييز صحيح أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله عزوجل لها لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها أو بما يقع في نفسها أو قام في هاجسها في غاية الجنون والمرار الهائج ، ولو فعل ذلك أحدنا لكان في غاية الفسق ، أو في غاية الجنون مستحقا لمعافاة دماغه في المارستان لا يشك في هذا أحد ، فصح يقينا أن الوحي الذي ورد لها في إلقاء ولدها في اليم كالوحي الوارد على إبراهيم في الرؤيا في ذبح ولده ، فإن إبراهيم عليهالسلام لو لم يكن نبيا واثقا بصحة الوحي والنبوة الواردة عليه في ذبح ولده ، لكنه ذبح ولده لرؤيا رآها أو ظن وقع في نفسه ، لكان بلا شك فاعل ذلك من غير الأنبياء فاسقا في نهاية الفسق ، أو مجنونا في غاية الجنون ، هذا ما لا يشك فيه أحد من الناس ، فصحّت نبوتهن بيقين. ووجدنا الله تعالى قد قال وقد ذكر من الأنبياء عليهمالسلام في سورة كهيعص ، وذكر مريم في جملتهم ثم قال عزوجل : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) [سورة مريم : ٥٨].
وهذا هو عموم لها معهم لا يجوز تخصيصها من جملتهم. وليس قوله عزوجل : (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) [سورة المائدة : ٧٥] بمانع من أن تكون نبية فقد قال تعالى : (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) [سورة يوسف : ٤٦] وهو مع ذلك نبي رسول الله وهذا ظاهر وبالله