الرسل من النبيين عليهمالسلام ، ثم بعدهم الأنبياء عليهمالسلام ، ثم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، على ما رتبنا قبل.
قال أبو محمد : ومن صحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الجن له من الفضل ما لسائر الصحابة بعموم قوله عليهالسلام : «دعوا لي أصحابي» وأفضل الرسل محمد صلىاللهعليهوسلم. أما فضل الملائكة على الرسل من غير الملائكة ، فلبراهين منها قول الله عزوجل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إذ يقول : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) [سورة الأنعام : ٥٠].
فلو كان الرسول أرفع من الملك أو مثله ما أمر الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقول لهم هذا القول الذي إنما قاله منحطا عن الترفع بأن يظن أن عنده خزائن الله أو أنه يعلم الغيب ، أو أنه ملك منزل لنفسه المقدسة في مرتبته التي هي دون هذه المراتب بلا شك ، إذ لا يمكن البتة أن يقول هذا عن مراتب هو أرفع منها ، وأيضا فإن الله عزوجل ذكر محمدا الذي هو أفضل الرسل بعد الملائكة وذكر جبرائيل عليهماالسلام فكان التباين في ثناء الله عزوجل عليهما تباينا بعيدا وهو أن الله عزوجل قال : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) [سورة التكوير : ١٩ ، ٢٠ ، ٢١].
فهذه صفة جبريل عليهالسلام ، ثم ذكر محمدا عليه الصلاة والسلام فقال : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [سورة التكوير : ٢٢] ثم زاد تعالى بيانا رافعا للإشكال فقال : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) [سورة التكوير : ٢٣] فعظّم الله تعالى من شأن أكرم الأنبياء والرسل بأن رأى جبريل عليه الصلاة والسلام ثم قال تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) [سورة النجم : ١٣ ـ ١٨].
فامتن الله تعالى كما ترى على محمد المنّة العظمى بأن أراه جبريل مرتين ، وإنما يتفاضل الناس كما قدمنا بوجهين فقط ، أحدهما : الاختصاص المجرد ، وأعظم الاختصاص الرسالة والتعظيم ، فقد حصل ذلك للملائكة ، قال تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) [سورة فاطر : ١] فهم كلهم رسل الله تعالى ثم اختصهم تعالى بأن ابتدأهم في الجنة وحوالي عرشه ، في المكان الذي وعد رسله ومن اتبعهم بأن نهاية كرامتهم تصيّرهم إليه ، وهو موضع خلق الملائكة ومحلهم بلا نهاية مذ خلقوا. وذكرهم عزوجل في غير موضع من كتابه فأثنى على جميعهم ، ووصفهم بأنهم لا يفترون ، ولا