يسأمون ، ولا يعصون الله ، فنفى عنهم الزلل والفترة والسآمة والسهود ، وهذا أمر لم ينفه عزوجل عن الرسل صلوات الله عليهم بل السهو جائز عليهم ، وبالضرورة نعلم أنّ من عصم من السهو أفضل ممن لم يعصم منه ، وأن من عصم من العمد كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام أفضل ممن لم يعصم منه ممن سواهم. فإن اعترض معترض بقول الله عزوجل (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) [سورة الحج : ٧٥].
قيل له : ليس هذا معارضا لقوله تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) لأن كلّ آية فإنما تحمل على مقتضاها وموجب لفظها ، ففي هذه الآية أن بعض الملائكة رسل وهذا حق لا شك فيه ، وليس إخبارا عن سائرهم بشيء لا بأنهم رسل ولا بأنهم ليسوا رسلا ، فلا يحل لأحد أن يزيد في الآية ما ليس فيها ، ثم في الآية الأخرى زيادة على ما في هذه الآية ، وإخبار بأن جميع الملائكة رسل ففي تلك الآية بعض ما في هذه الآية ، وفي هذه الآية كل ما في تلك وزيادة ففرض قبول كل ذلك كما أن الله عزوجل إذ ذكر في كهيعص من ذكر من النبيين فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) [سورة مريم : ٥٨] وقد قال تعالى : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) [سورة النساء : ١٦٤].
أفترى الرسل الذين لم يقصصهم تعالى عليه جملة أو في هذه السورة خاصة لم ينعم عليهم؟ معاذ الله من هذا فما يقوله مسلم.
والوجه الثاني من أوجه الفضل : هو تفاضل العاملين بتفاضل منازلهم في أعمال الطاعة والعصمة من المعاصي والدنيات وقد نص الله تعالى على أن الملائكة لا يفترون من الطاعة ولا يسأمون منها ، ولا يعصون البتة في شيء أمروا به ، فقد صح أن الله عزوجل عصمهم من الطبائع الناقصة الداعية إلى الفتور والكسل ، كالطعام والتغوط وشهوة الجماع والنوم ، فصح يقينا أنهم أفضل من الرسل الذين لم يعصموا من الفتور والكسل ودواعيهما.
قال أبو محمد : واحتج بعض المخالفين بأن قال : قال الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة آل عمران : ٣٤]. قالوا : فدخل في العالمين الملائكة وغيرهم.
قال أبو محمد : هذه الآية قد صح البرهان بأنها ليست على عمومها ، لأنه تعالى لم يذكر فيها آل محمد صلىاللهعليهوسلم ولا خلاف في أنهم أفضل الناس قال الله عزوجل : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [سورة آل عمران : ١١٠].