فإن قال : إن آل إبراهيم هم آل محمد قيل له فنحن إذن أفضل من جميع الأنبياء حاشى آل عمران وآدم ونوحا فقط ، وهذا لا يقوله مسلم ، فصح يقينا أن هذه الآية ليست على عمومها. فإذ لا شك في ذلك فقد صح أن الله عزوجل إنما أراد بها عالمي زمانهم من الناس لا من الرسل ولا من النبيين ، نعم ولا من عالمي غير زمانهم ، لأننا بلا شك أفضل من آل عمران فبطل تعلقهم بهذه الآية جملة وبالله تعالى التوفيق. وصح أنها مثل قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة البقرة : ٤٧].
ولا شك في أنهم لم يفضلوا على الرسل ولا على النبيين ، ولا على أمتنا ولا على الصالحين من غيرهم ، فكيف على الملائكة؟ ونحن لا ننكر إزالة النص عن ظاهره وعمومه ببرهان من نص آخر ، أو من إجماع متيقن ، أو ضرورة حس ، وإنما ننكر ونمنع من إزالة النص عن ظاهره وعمومه بالدعوى ، فهذا ، هو الباطل الذي لا يحلّ في دين ولا يصح في إمكان العقل وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وذكر بعضهم قول الله عزوجل : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [سورة البينة : ٧].
قال أبو محمد : وهذا مما لا حجة لهم فيه أصلا ، لأن هذه الصفة تعم كل مؤمن صالح من الإنس ومن الجن ، وتعم جميع الملائكة عموما مستويا ، فإنما هذه الآية تفضل الملائكة والصالحين من الإنس والجن على سائر البرية وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : واحتجوا بأمر الله عزوجل الملائكة بالسجود لآدم على جميعهم السلام.
قال أبو محمد : وهذه أعظم حجة عليهم لأن السجود المأمور به لا يخلو من أن يكون سجود عبادة ، وهذا كفر ممن قاله لأنه يجيز أن يكون الله عزوجل يأمر أحدا من خلقه بعبادة غيره ، وإما أن يكون سجود تحيّة وكرامة ، وهو كذلك بلا خلاف من أحد من الناس فإذ هو كذلك فلا دليل أدل على فضل الملائكة على آدم من أن يكون الله تعالى بلغ الغاية في إعظامه وكرامته بأن تحييه الملائكة ، لأنهم لو كانوا دونه لم يكن له كرامة ولا مزية في تحيتهم له ، وقد أخبر الله عزوجل عن يوسف عليهالسلام قال : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) [سورة يوسف : ١٠٠].
وكانت رؤياه التي ذكر الله عزوجل عنه إذ يقول : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [سورة يوسف : ٤].