قال أبو محمد : وليس في سجود يعقوب ليوسف ما يوجب أن يوسف أفضل من يعقوب عليهالسلام.
واحتجوا أيضا بأن الملائكة لم يعلموا أسماء الأشياء حتى أنبأهم بها آدم ، على جميعهم السلام ، بتعليم الله عزوجل آدم إياها.
قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لأن الله تعالى يعلّم من هو أنقص فضلا وعلما في الجملة أشياء لا يعلمها من هو أفضل منه وأعلم منه بما عدا تلك الأشياء ، فعلم الملائكة ما لا يعلمه آدم ، وعلم آدم أسماء الأشياء ثم أمره بأن يعلمها الملائكة ، كما خص الخضر عليهالسلام بعلم لم يعلمه موسى عليهالسلام ، حتى اتبعه موسى ليتعلم منه ، وعلّم أيضا موسى عليهالسلام علوما لم يعلمها الخضر ، وهكذا صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أن الخضر قال لموسى عليهالسلام إني على علم من علم الله لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم الله لا أعلمه أنا (١).
قال أبو محمد : وليس في هذا أن الخضر أفضل من موسى عليهالسلام.
قال أبو محمد : وقد قال بعض الجهال : إن الله تعالى جعل الملائكة خدام أهل الجنة يأتونهم بالتحف من عند ربهم عزوجل. قال تعالى : (تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [سورة الأنبياء : ١٠٣]. وقال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) [سورة الرعد : ٢٣].
قال أبو محمد : أما خدمة الملائكة لأهل الجنة وإقبالهم إليهم بالتحف فشيء ما علمناه قط ولا سمعناه إلا من القصاص بالخرافات والتكاذيب ، وإنما الحق ما ذكره الله عزوجل في النص الذي أوردنا ، وهو ولله الحمد من أقوى الحجج في فضل الملائكة على من سواهم ، ويلزم هذا المحتج إذا كان إقبال الملائكة بالبشارات إلى أهل الجنة دليلا على فضل أهل الجنة عليهم ، أن يكون إقبال الرسل إلينا مبشرين ومنذرين بالبشارات من عند الله عزوجل دليلا على أننا أفضل منهم ، وهذا كفر مجرد ، ولكن الحقيقة هي أن الفضل إذا كان للأنبياء عليهمالسلام على الناس بأنهم رسل الله إليهم
__________________
(١) جزء من حديث طويل رواه مسلم في الفضائل (حديث رقم ١٧٠) أوله : عن سعيد بن جبير قال : «قلت لابن عباس : إن نوفا البكاليّ يزعم أن موسى عليهالسلام صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر عليهالسلام. فقال : كذب عدوّ الله ، سمعت أبيّ بن كعب يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : قام موسى عليهالسلام خطيبا في بني إسرائيل ، فسئل : أيّ الناس أعلم؟ فقال : أنا أعلم. قال : فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه ... الخ».