ووسائط بين ربهم تعالى وبينهم ، فالفضل واجب للملائكة على الأنبياء والرسل ، لكونهم رسل الله تعالى إليهم ووسائط بينهم وبين ربهم تعالى ، وأما تفضل الله تعالى على أهل الجنة بالأكل والشرب والجماع واللباس والآلات والقصور ، فإنما فضلهم الله عزوجل من ذلك بما يوافق طباعهم ، وقد نزه الله تعالى الملائكة عن هذه الطبائع المستدعية لهذه اللذات ، بل أبانهم وفضلهم بأن جعل طبائعهم لا تلتذّ بشيء من ذلك إلا بذكر الله تعالى وعبادته وطاعته في تنفيذ أوامره تعالى ، فلا منزلة له أعلى من هذه ، وعجل لهم سكنى المحل الرفيع الذي جعل تعالى غاية إكرامنا الوصول إليه ، بعد لقاء الأمرّين في التعب في عمارة هذه الدنيا النكدة وفي كلف الأعمال.
ففي ذلك المكان خلق عزوجل الملائكة منذ ابتدأهم ، وفيه خلدهم ، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وقال بعض السخفاء إن الملائكة بمنزلة الهواء والرياح.
قال أبو محمد : وهذا كذب وقحة وجنون ، لأن الملائكة بنص القرآن والسنن.
وإجماع جميع من يقر بالملائكة من أهل الأديان المختلفة عقلا متعبدون مأمورون منهيون ، وليس كذلك الهواء والرياح لكنها لا تعقل ولا هي مكلفة متعبدة ، بل هي مسخرة مصرّفة لا اختيار لها قال تعالى : (وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [سورة البقرة : ١٦٤].
وقال تعالى : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) [سورة الحاقة : ٧].
وذكر تعالى الملائكة فقال : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [سورة الأنبياء : ٢٧].
وقال تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) [سورة الشورى : ٥].
وقال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) [سورة الفرقان : ٢٢].
فقرن تعالى نزول الملائكة برؤيته تعالى وقرن تعالى إتيانه بإتيان الملائكة فقال عزوجل : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) [سورة البقرة : ٢١٠].
واعلم أن إعراب الملائكة هاهنا بالرفع عطفا على الله عزوجل لا على الغمام.