ونص تعالى على أن آدم عليهالسلام إنما أكل من الشجرة ليكون ملكا أو ليخلد ، كما نص تعالى علينا إذ يقول عزوجل : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [سورة الأعراف : ٢٠].
قال أبو محمد : فبيقين ندري أن آدم عليهالسلام لو لا تيقنه بأن الملائكة أفضل منه وطمعه بأن يصير ملكا لما قبل من إبليس ما غره به من أكل الشجرة التي نهاه الله عزوجل عنها ، ولو علم آدم أن الملك مثله أو دونه لما حمل نفسه على مخالفة أمر الله تعالى لينحط عن منزلته الرفيعة إلى الدون ، هذا ما لا يظنه ذو عقل أصلا.
قال أبو محمد : وقال الله عزوجل : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [سورة النساء : ١٧٢].
فقوله عزوجل بعد ذكر المسيح ولا الملائكة المقربون بلوغ للغاية في علو درجتهم على المسيح عليهالسلام لأن بنية الكلام ورتبته إنما هي إذا أراد القائل نفي صفة ما عن متواضع عنه أن يبدأ بالأدنى ثم بالأعلى وإذا أراد نفي صفة ما عن مترفع عنها أن يبدأ بالأعلى ثم بالأدنى ، فنقول في القسم الأول : ما يطمع في الجلوس بين يدي الخليفة خازنه ولا وزيره ولا أخوه ، ونقول في القسم الثاني : ما ينحط إلى الأكل في السوق وال ولا ذو مرتبة ولا متصاون من التجار أو الصناع ، لا يجوز البتة غير هذا. وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وأيضا فإن رسول الله تعالى صلىاللهعليهوسلم أخبر بأن الله تعالى خلق الملائكة من نور وخلق الإنسان من طين وخلق الجن من نار.
قال أبو محمد : ولا يجهل فضل النور على الطين وعلى النار أحد ، إلا من لم يجعل الله له نورا (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [سورة النور : ٤]. وقد صح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا ربه في أن يجعل في قلبه نورا (١). فالملائكة من جوهر دعا
__________________
(١) جزء من حديث رواه البخاري في الدعوات باب ٩ ، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث ١٨١ و ١٨٧ و ١٨٩ ، وأبو داود في التطوع باب ٢٦. والترمذي في الدعوات باب ٣٠ ، وأحمد في المسند (١ / ٢٨٤ ، ٣٤٣ ، ٣٥٢ ، ٣٧٣). ولفظه عند البخاري (حديث رقم ٦٣١٦) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بتّ عند ميمونة ، فقام النبي صلىاللهعليهوسلم فأتى حاجته غسل وجهه ويديه ثم نام ، ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها ثم توضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ ، فصلى. فقمت فتمطّيت كراهية أن يرى أني كنت أرقبه ، فتوضأت. فقام يصلي ، فقمت عن يساره ، فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه ، فتتامّت صلاته ثلاث عشر ركعة. ثم