عظيم قدرة الله عزوجل ، وعلى يقين تأثيره وصنعته واختراعه تعالى للعالم وما فيه ، الذي يضطر كل ذلك إلى الإقرار بالخالق ولا يستغنى عن ذلك في معرفة القبلة وأوقات الصلوات ، وينتج من هذا معرفة رؤية الأهلة لفرض الصوم والفطر والكسوفين ، برهان ذلك قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) [سورة المؤمنين : ١٧] وقال تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [سورة يس : ٣٩ ، ٤٠] وقال تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) [سورة البروج : ١]. وقال تعالى : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [سورة يونس : ٥].
وهذا هو نفس ما قلناه وبالله تعالى التوفيق.
وأما القضاء بها : فالقطع به خطأ لما نذكره إن شاء الله تعالى. وأهل القضاء ينقسمون قسمين أحدهما : القائلون بأنها والفلك عاقلة مميزة فاعلة مدبرة دون الله تعالى أو معه ، وأنها لم تزل. فهذه الطائفة كفار مشركون حلال دماؤهم وأموالهم بإجماع الأمة ، وهؤلاء عنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ يقول : «إن الله عزوجل قال : أصبح من عبادي كافر بي مؤمن بالكوكب» (١).
وفسره رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأنه القائل مطرنا بنوء كذا وكذا. وأما من قال بأنها مخلوقة وأنّها غير عاقلة لكن الله عزوجل خلقها وجعلها دلائل على الكوائن فهذا ليس كافرا ولا مبتدعا ، وهذا هو الذي قلنا فيه إنه خطأ ، لأن قائل هذا إنما يحيل على التجارب فما كان من تلك التجارب ظاهرا إلى الحسّ كالمد والجزر الحادثين عند طلوع القمر واستوائه وأفوله وامتلائه ونقصانه ، وكتأثيره القمر في قتل الدّابة الدبرة إذا لاقى الدبرة ضوؤه وكتأثير في القرع والقثاء المسموع لنموها مع القمر صوت قوي ، وكتأثيره في الدماغ والدم والشعر ، وكتأثير الشمس في عطش الحر وتصعيد الرطوبات ، وكتأثيرها في أعين السنانير بين غدوة ونصف النهار وبالعيش ونصف الليل وسائر ما يوجد حسّا فهو حق لا يدفعه ذو حسّ سليم ، فكل ذلك خلق الله عزوجل فهو خلق القوى وما يتولد منها وما يوجد بها كما قال تعالى : (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)
__________________
(١) رواه البخاري في الأذان باب ١٥٦ ، والاستسقاء باب ٢٨ ، والمغازي باب ٣٥. ومسلم في الإيمان حديث ١٢٥ ، وأبو داود في الطب باب ٢٢. ومالك في الاستسقاء حديث ٤. وأحمد في المسند (٤ / ١١٧).