إلا باعتقادها ، وإلا فهو كافر بالنصرانية قطعا ، حاشا تسميته الباري تعالى جوهرا ، فإنه للمجسمة أيضا ، وحاشا القول بأن النفس جوهر لا جسم ، فإنه قد قال به معمّر العطار أحد رؤساء المعتزلة ، وأما المنتمون إلى الإسلام فإن الجوهر الذي ليس جسما ولا عرضا ليس هو عندهم شيئا إلا الأجزاء الصغار التي لا تتجزأ وإليها تنحل الأجسام عندهم بزعمهم وقد ذكر هذا عن بعض الأوائل أيضا فهذه ثمانية أشياء كما ذكرنا لا نعلم أحدا سمى جوهرا ليس جسما ولا عرضا ولا غيرها إلا قوما جهّالا يظنون في القوى الذاتية أنها جواهر وهذا جهل منهم لأنها بلا خلاف محمولة فيما هي فيه غير قائمة حتما وهذا صفة العرض لا صفة الجواهر بلا خلاف.
قال أبو محمد : فأما الخلاء والمدة فقد تقدم إفسادنا لهذا القول في صدر ديواننا بالبراهين الضرورية وفي كتابنا الموسوم بالتحقيق في نقض كتاب العلم الإلهي لمحمد بن زكريا الطبيب فحللنا كلّ دعوى أوردها هو وغيره في هذا المعنى بأبين شرح والحمد لله رب العالمين كثيرا.
وأثبتنا في صدر كتابنا هذا وهنالك أنه ليس في العالم خلاء البتة وأنه كلّه كرة مصمتة (١) تخلخل فيها وأنه ليس وراء هذا خلاء ولا ملاء ولا شيء البتة وأن المدة ليست إلا مدة أحدث الله فيها الفلك بما فيه من الأجسام الساكنة والمتحركة وأعراضها ، وبينا في كتاب التقريب لحدود الكلام أن الآلة المسماة الزرّافة وسارقة الماء والآلة التي تدخل في إحليل من به أثر البول براهين ضرورية في تحقيق أن لا خلاء في العالم أصلا وأن الخلاء عند القائلين به إنما هو مكان لا تمكن فيه وهذا محال بما ذكرنا لأنه لو خرج الماء من الثقب الذي في أسفل سارقة الماء وقد سدّ أعلاها لبقي مكانه خاليا بلا متمكن فيه فإذا لم يكن ذلك أصلا ولا كان في بنية العالم وجوده وقف الماء باقيا لا ينهرق حتى إذا فتح أعلاها ووجد الهواء مدخلا خرج الماء وانهرق لوقته وخلفه الهواء ، وكذلك الزرّافة والآلة المتخذة لمن به أسر البول فإنه إذا حصلت تلك في داخل الإحليل وأول المثانة ثم جبذ الزر المغلق لبقها إلى خارج اتبعه البول ضرورة وخرج إذ لو لم يخرج لبقي ثقب الآلة خاليا لا شيء فيه ، وهذا باطل ممتنع. وقد بينا في صدر كتابنا كلّ ما اعترض به الملحدون المخالفون لنا في هذا المكان فأغنى عن إعادته.
__________________
(١) المصمت : الجامد لا جوف له كالحجر (المعجم الوسيط : ص ٥٢٢).