يتمثل ذلك أصلا ، بل هو محال ممتنع جملة ، كما أن الإنسان الكلي وجميع الأجناس والأنواع ليس شيء منها غير أشخاصه فقط فهي الأجسام بأعيانها إن كان النوع نوع أجسام وهي أشخاص الأعراض إن كان النوع نوع أعراض ولا مزيد. لأن قولنا الإنسان الكليّ يزيد النوع إنما معناه أشخاص الناس فقط لا أشياء أخر وقولنا الحمرة الكلية إنما معناه أشخاص الحمرة حيث وجدت فقط فبطل بهذا تقدير من ظن من أهل الجهل أن الجنس والنوع والفصل جواهر لا أجسام وبالله تعالى التوفيق.
ولكن الأوائل سمّتها وسمّت الصفات الأوليات الذاتيات جوهريات لا جواهر وهذا صحيح لأنها منسوبة إلى الجواهر لملازمتها لها لا تفارقها البتة ولا يتوهم مفارقتها لها وبالله تعالى التوفيق.
فبطل قولهم في الخلاء والمدة والصورة والعقل والهيولى والحمد لله رب العالمين.
وأما الباري تعالى فقد أخطأ من سمّاه جوهرا من المجسمة ومن النصارى لأن لفظة الجوهر لفظة عربية ومن أثبت الله عزوجل ففرض عليه إذ أقر أنّه خالقه وإلهه ومالك أمره أن لا يقدم عليه في شيء إلا بعهد منه تعالى ، ولا يخبر عنه إلا بعلم متيقن ، ولا علم هاهنا إلا بما أخبر به عزوجل فقط فصح يقينا أن تسمية الله عزوجل جوهرا والإخبار عنه بأنه جوهر حكم عليه تعالى بغير عهد منه وإخبار عنه عزوجل بالكذب الذي لم يخبر قط تعالى به عن نفسه ولا سمى به نفسه وهذا إقدام لم يأتنا قط به برهان بإباحته. وأيضا فإن الجوهر حامل لأعراض ما ولو كان الباري تعالى حاملا لعرض لكان مركّبا من ذاته وأعراضه وهذا باطل.
وأما النصارى فليس لهم أن يتسوروا على اللغة العربية فيصرفوها عن موضوعها فبطل أن يكون تعالى جوهرا لبراءته عن حد الجوهر وبطل أن يسمى جوهرا لأنه تعالى لم يسم نفسه به وبالله تعالى التوفيق.
فبطل قول من سمى الله تعالى جوهرا أو أخبر أنه تعالى جوهر ولله تعالى الحمد. فلم يبق إلا النفس والجزء الذي لا يتجزأ ونحن إن شاء الله عزوجل نتكلم فيهما كلاما متيقنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال أبو محمد : اختلف الناس في النفس فذكر عن أبي بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم إنكار النفس جملة ، وقال : لا أعرف إلا ما شاهدته بحواسّي ، وقال جالينوس وأبو الهذيل محمد بن الهذيل العلاف : النفس عرض من الأعراض ثم اختلفا