فقال جالينوس هي مزاج مجتمع يتولد من تركيب أخلاط الجسد. وقال أبو الهذيل هي عرض كسائر أعراض الجسم. وقالت طائفة : النفس هي النسيم الداخل الخارج بالتنفس فهي النفس ، قالوا : والروح عرض وهو الحياة فقط فهو غير النفس وهذا قول الباقلاني ومن اتبعه من الأشعرية.
وقالت طائفة : النفس جوهر ليست جسما ولا عرضا ولا لها طول ولا عرض ولا عمق ولا هي في مكان ولا تتجزأ وأنها هي الفعّالة المدبرة وهي الإنسان وهو قول بعض الأوائل وبه يقول معمّر بن عمرو العطار أحد شيوخ المعتزلة. وذهب سائر أهل الإسلام والملل المقرّة بالمعاد إلى أن النفس جسم طويل عريض عميق ذات مكان عاقلة مميزة مصرفة للجسد.
قال أبو محمد : وبهذا نقول والنفس والروح اسمان مترادفان لمسمّى واحد ومعناهما واحد.
قال أبو محمد : وأما قول أبي بكر بن كيسان فإنه يبطله النص وبرهان العقل ، أما النص فقول الله عزوجل : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) [سورة الأنعام : ٩٣] الآية.
فصح أن النفس موجودة وأنها غير الجسد وأنها الخارجة عند الموت.
قال أبو محمد : وأما البرهان العقلي فإنا نرى المرء إذا أراد تصفية عقله وتصحيح رأيه أو فك مسألة عويصة عكس ذهنه وأفرد نفسه عن حواسها الجسدية وترك استعمال الجسد فقط جملة وتبرأ منه حتى إنه لا يرى من بحضرته ولا يسمع ما يقال أمامه فحينئذ يكون رأيه وفكره أصفى ما كان.
فصحّ أن الفكر والذكر ليسا للجسد المتخلي منه عند إرادتهما. وأيضا فالذي يراه النائم مما يخرج حقا على وجهه وليس ذلك إلا إذا تخلّت النفس عن الجسد فبقي الجسد كجسد الميت ونجده حينئذ يرى في الرؤيا ويسمع ويتكلم ويذكر وقد بطل عمل بصره الجسدي وعمل أذنيه الجسدية ، وعمل ذوقه الجسدي ، وكلام لسانه الجسدي.
فصحّ يقينا أن العقل المبصر السامع المتكلم الحساس الذائق هو شيء غير الجسد ، فصح أنه المسمى نفسا إذ لا شيء غير ذلك. وكذلك ما تتخيله نفس الأعمى والغائب عن الشيء مما قد رآه قبل ذلك فيتمثله ويراه في نفسه كما هو.
فصح يقينا أن هاهنا متمثلا مدركا غير الجسد إذ لا أثر للجسد ولا للحواس