والخارج من الهواء ، وأن الروح هو عرض وهي الحياة ، فإن كل هذين القولين يبطلان بكل ما ذكرنا في إبطال قول الأصم بن كيسان ، وأيضا فإن أهل هذين القولين ينتمون إلى الإسلام ، والقرآن يبطل قولهم نصا قال الله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [سورة الزمر : ٤٢].
فصح ضرورة أن الأنفس غير الأجساد ، وأن الأنفس هي المتوفاة في النوم والموت ، ثم ترد عند اليقظة ، وتمسك عند الموت ، وليس هذا التوفي للأجساد أصلا ، وبيقين يدري كل ذي حس سليم أن العرض لا يمكن أن يتوفى فيفارق الجسم الحامل له ويبقى كذلك ثم يردّ بعضه ويمسك بعضه ، هذا ما لا يكون ولا يجوز لأن العرض يبطل بمزايلته الحامل له. كذلك لا يمكن أن يظنّ ذو مسكة من عقل أن الهواء الداخل والخارج هو المتوفى عند النوم وكيف ذلك وهو باق في حال النوم كما كان في حال اليقظة ولا فرق ..؟ وكذلك قوله عزوجل : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) [سورة الأنعام : ٩٣]. فإنه لا يمكن أن يعذب العرض ولا الهواء. وأيضا فإن الله عزوجل يقول : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [سورة الأعراف : ١٧٢].
قال أبو محمد : هذه آية ترفع الإشكال جملة ، وتبين أن النفس غير الجسد ، وإنما هي العاقلة المخاطبة المكلفة ، لأنه لا يشك ذو حس سليم في أن الأجساد حين أخذ الله عليها هذا العهد كانت مبددة في التراب والماء والهواء والنار ، ونص الآية يقتضي ما قلنا فكيف وفيها نص أن الإشهاد إنما وقع على النفوس ...؟ وما أدري كيف ينشرح نفس مسلم بخلاف هذه النصوص ...؟ وكذلك إخبار رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أنه رأى عند سماء الدنيا ليلة أسري به عن يمين آدم وعن يساره نسم بنيه ، فأهل السعادة عن يمينه وأهل الشقاء عن يساره عليهالسلام» (١). ومن الباطل أن تكون الأعراض باقية هنالك أو أن يكون النسيم هنالك ، وهو هواء متردد في الهواء.
قال أبو محمد : ولو كان ما قاله أبو الهذيل والباقلاني ومن قلدهما حقا ، لكان الإنسان يبدل في كل ساعة ألف ألف روح وأزيد من ثلاثمائة ألف نفس ، لأن العرض
__________________
(١) رواه البخاري في الصلاة باب ١ ، وأحاديث الأنبياء باب ٥. ومسلم في الإيمان حديث ٢٦٣. وأحمد في المسند (٥ / ١٤٣).