عندهم لا يبقى وقتين بل يفنى ويتجدد عندهم أبدا ، فروح كل حيّ على قولهم في كل وقت غير روحه التي كانت قبل ذلك ، وهكذا تتبدل أرواح الناس عندهم بالخطاب ، وكذلك بيقين يشاهد كل أحد أن الهواء الداخل بالتنفس ثم يخرج هو غير الهواء الداخل بالتنفس الثاني. فالإنسان يبدل على قول الأشعرية أنفسا كثيرة في كل وقت ونفسه الآن غير نفسه آنفا ، هذا حمق لا خفاء به. فبطل قول الفريقين بنص القرآن والسنة ، والإجماع والمشاهدة والمعقول ، والحمد لله رب العالمين.
هذا مع تعريهما من الدليل جملة ، وأنها دعوى فقط وما كان هكذا فهو باطل.
وقد صرح الباقلاني عند ذكره لما يعترض في أرواح الشهداء وأرواح آل فرعون فقال : هذا يخرج على أحد وجهين بأن يوضع عرض الحياة في أقل جزء من أجزاء الجسم. وقال بعض من شاهدناه منهم : توضع الحياة في عجب الذنب واحتج بالخبر عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب» (١).
قال أبو محمد : وهذا تمويه من المحتج بهذا الخبر ، لأنه ليس في الحديث لا نص ولا دليل ولا إشارة يمكن أن يتأول على أن عجب الذنب يحيا ، وإنما في الحديث أن عجب الذنب لا يأكله التراب ، وأنه منه خلق الجسد وفيه يركب فقط ، فظهر تمويه هذا القائل وضعفه ، والحمد لله رب العالمين.
قال الباقلاني : وأما أن يخلق لتلك الحياة جسد آخر ، فلا.
قال أبو محمد : وهذا مذهب أهل التناسخ بلا مئونة ، واحتج لذلك بالحديث المأثور : أن نسمة المؤمن طير يعلق من ثمار الجنة ، ويأوي إلى قناديل تحت العرش (٢). وفي بعضها : أنها في حواصل طير خضر (٣).
قال أبو محمد : ولا حجة له في هذا الخبر ، لأن معنى قوله عليهالسلام طائر يعلق هو على ظاهره لا على ظن أهل الجهل ، وإنما أخبر عليهالسلام أن نسمة المؤمن
__________________
(١) تقدم تخريجه في هذا الجزء.
(٢) رواه النسائي في الجنائز باب ١١٧. وابن ماجة في الزهد باب ٣٢. ومالك في الجنائز حديث ٤٩. وأحمد في المسند (٣ / ٤٥٥ ، ٤٥٦ ، ٤٦٠).
(٣) رواه بلفظ : «... أرواحهم في جوف طير خضر» مسلم في الإمارة حديث ١٢١. وأبو داود في الجهاد باب ٢٥. والترمذي في تفسير سورة ٣ باب ١٩. وابن ماجة في الجنائز باب ٤ ، والجهاد باب ١٦. والدارمي في الجهاد باب ١٨. وأحمد في المسند (٦ / ٣٨٦).