طائر بمعنى أنها تطير في الجنة فقط ، لا أنها تنسخ في صور الطير. فإن قيل : إن النسمة مؤنثة قلنا قد صح عن عربي فصيح أنه قال : قد أتتك كتابي فاستخففت بها ، فقيل له أتؤنث الكتاب؟ فقال : أو ليس صحيفة؟ وكذلك النسمة روح فتذكّر لذلك ، وأما الزيادة التي فيها أنها في حواصل طير خضر ، فإنها صفة تلك القناديل التي تأوي إليها ، والحديثان معا حديث واحد وخبر واحد.
قال أبو محمد : ولم يحصل من هذين الوجهين الفاسدين إلا على دعوى كاذبة بلا دليل يشبه الهزل أو على كفر مجرد في المصير إلى قول أصحاب التناسخ وعلى تحريف الحديث عن وجهه ونعوذ بالله من الخذلان. فبطل هذان القولان والحمد لله رب العالمين.
وأما قول من قال إن النفس جوهر لا جسم من الأوائل ومعمّر وأصحابه ، فإنهم موّهوا بأشياء إقناعيات فوجب إيرادها ونقضها ليظهر البرهان على وجه الإنصاف للخصم وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد رحمهالله : قالوا : لو كان النفس جسما لكان بين تحريك المحرّك رجله وبين إرادته تحريكها زمان على قدر حركة الجسم وتنقله ، إذ النفس هي المحركة للجسد والمريدة لحركته ، قالوا : فلو كان المحرك للرجل جسما لكان لا يخلو إمّا أن يكون حاصلا في هذه الأعضاء ، وإما جائيا إليها ، فإن كان جائيا إليها ، احتاج إلى مدة ولا بد ، وإن كان حاصلا فيها فنحن إذا قطعنا تلك العصبة التي بها تكون الحركة لم يبق منها في العضو الذي كان يتحرك شيء أصلا ، فلو كان المحرك حاصلا فيه لبقي منه شيء في ذلك العضو.
قال أبو محمد : وهذا لا معنى له لأن النفس لا تخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها ، إما أن تكون متخللة لجميع الجسد من خارج كالثوب ، وإما أن تكون متخللة لجميعه من داخل كالماء في المدرة ، وإما أن تكون في مكان واحد من الجسد وهو القلب والدماغ وتكون قواها منبثة في جميع الجسد ، فأي هذه الوجوه كان فتحريكها لما يريد تحريكه من الجسد يكون مع إرادتها لذلك متلازمان كإدراك البصر لما يلاقي الجسد في البعد بلا زمان ، وإذا قطعت العصبة لم ينقطع ما كان من جسم النفس متخللا لذلك العضو إن كانت متخللة لجميع الجسد من داخل ، أو متخللة له من خارج ، بل تفارق العضو الذي يبطل حسه في الوقت وينفصل عنه بلا زمان ، وتكون مفارقتها لذلك العضو كمفارقة الهواء للإناء الذي ملئ ماء. وأما إن كانت النفس